في مذكرة حملت عنوان «النقد والتقييم»، وجهت فئة من قواعد وقيادات وشبيبة حزب العدالة والتنمية المغربي، مطالبها إلى المجلس الوطني بهدف عقد مؤتمر استثنائي، يتوخى «الجلوس مع الذات وتقييم مسار حافل بالنجاحات والإخفاقات».
لا يخفى على أحد ما يتخبط فيه البيت الداخلي لحزب العدالة والتنمية من تصدع، نشب مع «إبعاد» عبد الإله بن كيران من الحكومة بعد تعثر تشكيلها، وتعيين سعد الدين العثماني محله رئيسًا للحكومة، وانتخابه أمين عام الحزب. إذ لم تستسغ مجموعة من القيادات وكذا فئات عريضة من شبيبة الحزب، التنازلات التي قدمها العثماني لتشكيل الحكومة التي كانت سببًا مباشرًا في في لفظ بن كيران من «عالم السياسة».
منذ سنة 2017م حزب «المصباح» يأن تحت وطأة تياريين، الأول «إستوزاري» أي المتشبثون بالبقاء في الحكومة، والثاني «موال لبن كيران» يدينون بالولاء لأمينهم السابق.
الدعوة إلى عقد مؤتمر استثنائي، ظاهره «نقد وتقييم» ونقاش قبيل خوض غمار الاستحقاقات الانتخابية المقررة صيف 2021م. ومضمره حركة تصحيحية لمسار الحزب واسمه الذي تضرر من جراء «الخنوع السياسي»، الذي استنزف رصيد ورأسمال الحزب السياسي، المتصدر بشأنه الانتخابات التشريعية لولايتين سابقتين 2011م و2016م.
مبادرة المؤتمر الاستثنائي، ليست وليدة اليوم بل تردد صداها في مناسبات عديدة وإن كانت بشكل ضمني، آخرها على لسان القيادي البارز عبد العالي حامي الدين، الذي دعا إلى تصحيح المسار ولو تطلب ذلك عقد مؤتمر استثنائي.
يأتي هذا النقاش مضافًا لنقاش آخر داخل بيت العدالة والتنمية، بخصوص تقليص مشاركة الحزب في انتخابات 2021م. الدعوة جاءت على لسان القيادي مصطفى الرميد، كون تقليص المشاركة سيجنب الحزب الصدام مع الدولة. ما عده كثيرون خنوعًا سياسيًّا ممتدًا منذ 2017م، ولا غرابة في تنازلات مستقبلية.
وسبق لرئيس الحكومة والأمين العام الحالي، سعد الدين العثماني، أن عبر عن انتقاده لما يتعرض له «رؤساء الجماعات القروية والحضرية» على مختلف ربوع المملكة من عرقلة لمشروعاتهم الإصلاحية، وحمل بيروقراطية الدولة وزر العرقلة.
هذا السجال داخل بيت العدالة والتنمية، سيحدد لا محالة مصير الحزب خلال الانتخابات المقبلة، وخاصة فيما يتعلق بالخطاب المقدم ومدى تماهيه مع الخطاب الإصلاحي الذي تتبناه القيادة منذ سنة 2011م. واليوم السؤال هل الدعوة إلى موتمر استثنائي هو بحث عن عرض سياسي وجديد؟ يقدم لاستمالة صوت الناخبين. بيد أن كثيرين يرون أن فزاعة محاربة الفساد لم تعد تجدي نفعًا بعدما لم ينجح في تجفيف منافعه بل سقط بعض قياداته في وحله.
إن الأداء السياسي لحزب العدالة والتنمية في الحكومة حاليًا، كان مثاليًّا، ليس له ولرصيده بل لخصومه السياسيين، على اعتبار تحمل قادته وزر الأخطاء المرتكبة في تسيير مجموعة من القطاعات، فإدارة ملف الصحة خلال أزمة فيروس كورونا، مثال حي على موقف «الإسلاميين» في المعادلة السياسية المغربية.
هل يدرك العثماني أنه رئيس حكومة بصلاحيات واسعة؟ هل يضع في حسابه السياسي أن أخطاء التسيير والفشل في أي قطاع سيتحمل وزره الحزب؟ وضريبة هذا الموعد الانتخابي الذي سيتحول إلى مساءلة ومحاسبة عن طريق صناديق الاقتراع، ورغم الاختلالات التي تشوب العملية الانتخابية في المغرب، خاصة فيما يتعلق بضعف المشاركة، وهذا موضوع آخر.
أما عودة عبد الإله بن كيران إلى الأمانة العامة للحزب، في ظل المعطيات الحالية صعبة سياسيًّا، نظرًا للتغير الحاصل في الخريطة السياسية، وفقدانه للكثير من شعبيته، واهتزاز رصيد الثقة الذي كان يعد رأسمال بن كيران والحزب في علاقته مع الناخبين ، فابن كيران وقبوله المعاش الاستثنائي هو اعتراف بنهاية صلاحيته، وإداركه أن عودته المشهد السياسي غير مرحب بها، وما إبعاد خصومه إلياس العمري، امين عام الأصالة والمعاصرة، وحميد شباط، أمين عام حزب الاستقلال، دليل على رجاحة هذا الطرح.
إن حزب العدالة والتنمية يفتح على نفسه جبهة صراع داخلي لا يعرف أين ستنتهي ولصالح من ستؤول؟ ربما إلى ما انتهى إليه السابقون؛ الانقسام.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست