لعل أعظم الدروس التي قد نستخلصها بعد مرور 4 أعوام على الثورة؛ هي أنه مهما حاولت أن ترضي الطغاة ومهما اجتهدت في التعري والتنازل على أبواب المستبدين؛ ستبقى محل شك دائمًا وغير مرغوب فيك، وسيضحون بك في أقرب فرصة طالما كنت خارج دائرة مصالحهم المحدودة جدًا. بدأت رحلة التعري والتنازلات مع الإخوان.

عندما مرروا استفتاء مارس 2011 وأعلنوا النفير العام في ربوع مصر بأن “نَعم تجلب النِّعم”، وأن لا هي شر مستطير على الإسلام؛ أمنوا بيزنس “العسكر” في دستور 2012؛ وخونوا “الثوار” وأعلنوهم برعاية المجلس العسكري مخربين متواطئين وأجندات خارجية.

وبينما كانت تحاك المؤامرات ضدهم وضد الثورة؛ وقف محمد مرسي يتغنى بالعسكر “ورجالته إللي من دهب” والشرطة التي تحمي الوطن. وبالرغم من القائمة الطويلة من التنازلات الإخوانية للعسكر على حساب الثورة، افترستهم الدولة العميقة عندما سنحت الفرصة؛ لتمتلئ بهم السجون مرة أخرى وتنطلق عدالة الشامخ لتحكم بإعدام المئات منهم في محاكمات لم تتوفر فيها أدنى شروط العدالة.

ولأن هذا الوطن يرقص فيه الجميع بدرجات متفاوتة؛ رقص الليبراليون والقوى المدنية رقصة الإستربتيز الخاصة بهم؛ فاختزل محمد البرادعي – اللي سابقنا بـ 100 سنة ضوئية – القرار الليبرالي في شخصه وذهب مع “رجالته” إلى العسكر ليعلنوا لهم الولاء والبراء للإطاحة بالإخوان في “نمرة” 30 يونيو التي أجهزت تمامًا على ما تبقى من ثورة يناير.

لم يتوقف التعري الثوري عند هذا الحد؛ بل استمر لنهاية المشهد لنصل إلى قمة الأورجازم السياسي عندما اشترك حمدين صباحي وحزب الدستور ومعه لفيف من “عيال” النقاء الثوري في مسرحية الانتخابات الرئاسية التي انحازت فيها الدولة ومؤسساتها وإعلامها وجيشها إلى المرشح الجنرال، إلا أن حمدين الذي أدمن الترشح كان له رأي آخر، وأصر على إضفاء شرعية على انتخابات شابتها كل أنواع المخالفات، وشهدت على تجاوزاتها معظم المنظامات الحقوقية داخل مصر وخارجها، ليحل ثالثا بعد الأصوات الباطلة في انتخابات ترشح فيها شخصان فقط.

وبعد أن انتهت مهمتهم؛ لم يكن مصيرهم أفضل حالا من الإخوان؛ فمحمد البرادعي الذي خرج مبكرًا من مصر بعد أن أدرك – إننا لبسنا في الحيط – يواجه أكتر من 4 قضايا تتداولها المحاكم المصرية، منها قضيتان بالخيانة العظمى وأخرى لسحب جنسيته. حتى حمدين صباحي الذي ذهب ليأخذ الصور التذكارية مع مشروع “الحفر عالناشف” لم يسلم أيضا من حملات التشويه والسب العلني في قنوات رجال أعمال النظام.

أما حزب النور الذي بدوره فاجأ نفسه والجميع بالوصول إلى مراحل متقدمة ومبهرة في الرقص والتعري؛ وبعد أن جعل من الجنرال “الطري” نبيًا ورسولًا؛ وصلى صلاة الحاجة من أجل فوزه بالانتخابات، لم يشفع لهم أيضا كل هذا وأصبحت إهانتهم فقرة مكررة يوميا في قنوات النظام، وقريبا سيعودون للسجون في إطار إعادة ترسيم الخريطة الدينية للوطن بأمر الجنرال، الذي ينادي علنًا بتغيير النصوص الدينية.

 

حتى العوام والغوغاء الذين صفقوا للبطش والاستبداد لم يسلموا أيضًا من البطش والاستبداد؛ منى البحيري أنثى “سيسي يس مرسي نو” تعرَّضَ ابنها لإطلاق نار من أمين شرطة ولم يعاقب حتى بـدقيقتين حبس. فالدرس المستفاد بعد أعوام الثورة ومخاضها وإرهاصاتها؛ أن تصفيقك للعسكر ورضاك عن القمع والاستبداد لمن هم “مش شبهك” سيجعل منك بالضرورة الضحية التالية للقمع والاستبداد. فقط مسألة وقت. والمجد كل المجد “للي مبيعرفوش يبيعوا”.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

تحميل المزيد