قبل عدة أيام شق (فيديو) نشره الشيخ مشاري العفاسي طريقه إلى مواقع التواصل الاجتماعي مُحدثًا شيئًا من الضجة حيث يُظهر الفيديو الشيخ طيارًا حربيًّا يمخر عباب السماء ليدك مواقع الحوثيين في اليمن ضمن القوات الكويتية المشاركة في العملية، في الوقت ذاته نشر الشيخ محمد العريفي مجموعة من الصور وهو بلباس عسكري كامل محاطًا بمجموعة من الجنود المشاركين في نفس العملية العسكرية، وبدا أن الشيخ يستثير فيهم الهمم ويرفع من معنوياتهم لخوض الحرب بكل جلد وتفاني.
بدا من الواضح أن الرجلين يحاولان تغيير الصورة الذهنية النمطية لدور رجل الدين في تناول قضايا المجتمع الكبرى ولا سيما السياسية منها، تلك الصورة التي تتجلى في مشهد ارتقاء الإمام درجات المنبر وإمطار الحاكم بسيل من الأدعية حول أن يرزقه الله التوفيق والتسديد والبطانة الصالحة وما إلى ذلك من قوالب الرياء البالية. وبدا من المؤكد أنهما افتقرا إلى تخيل ماذا ستكون عليه ردة الفعل تجاه هذا (النيولوك) الدعوي الجديد، خصوصًا وأن هذا التطور الطارئ أتى لخدمة قضية سياسية بامتياز وليست محل إجماع واتفاق.
باستطاعتي تقبل وتفسير هذه المشاهد إن كنتُ مواطنًا سعوديًّا أو كويتيًّا وذلك في سياق محلي بحت، وقتها لن أسمح لعقلي بالإفلات من أُطر المحلية الضيقة، حيث سأعلم أن الشيخ يروج لقضية سياسية أو يخدم أجندة محلية، لكن ليس باستطاعتي إن كنت مسلمًا هنديًّا أو مسلمًا أمريكيًّا تبرير أو تقبل هذه الترهات. فلن يتسنى لي فهم ذلك إلا في إطار صراع نفوذ إقليمي توظف فيه كل دولة قواها العسكرية جنبًا إلى جنب مع قواها الناعمة – بما في ذلك دور رجال الدين- لحسم المعركة.
ما لا أرجوه من الشيخين الجليلين وغيرهما من أقطاب ورموز الدعوة الإسلامية أن يكونوا أبواقًا تصدح لخدمة مصالح سياسية ضيقة على حساب لم شمل المسلمين وتوحيد كلمتهم، لا سيما أن طبول الحرب لم تقرع في اليمن لخدمة العقيدة الإسلامية والذود عن الدين ضد أعداء الأمة وما إلا ذلك من هذه الأكاذيب محكمة البناء التي يحاول مدعوها تصديرها والتي لا تنطلي على عاقل بالمناسبة.
إن أمَّتَنا لا تفتقر لهؤلاء الذين يغردون دائمًا في سرب الحكام ولا لأولئك الذين يقدمون الدين كوجبة شهية للاستهلاك المحلي وسط مائدة تعج بأطباق السياسة، ولكنها تفتقر إلى أولئك الرجال الذين يقفون على الثغور يذودون بكل ما أوتوا من علم وقوة عن حمى هذا الدين، بعيدًا عن ردهات السياسة ومتاهات الخصومة، رجال يردون تلك الدعوات الهدامة التي تسري في أوصال هذه الأمة محاولة التشكيك في عقيدتها وثوابت دينها عبر وسائل إعلام لا ينضب معين كذبها.
أخيرًا.. أقول للشيخ مخاطبًا من خلاله كل داعية: دعني أفهمك كما فهمتك من قبل، دعني أرى فيك صوتًا للحكمة والعقل وسط طنين من أصوات الجهلاء، دعني أرى فيك – كما عهدتك- رمزًا لا ينحرف عن جادة الصواب لأجل غرض من أغراض الدنيا.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست