هذا السيناريو غير حقيقي، غير موضوعي، وغير محايد، والأحداث الواردة به خيالية، ولا تمت للواقع بصلة، وأي تشابه بينه وبين الواقع فهو أغرب من الخيال.
مشهد (1)
نهار خارجي – قهوة بلدي في منطقة شعبية.
يجلس “هشام باشا” ضابط المباحث السابق الذي أحيل إلى المعاش إجباريًا إثر أحداث “انتفاضة الخبز” على منضدة منفردة، منزويًا، مرتديًا حلة كاملة، متأنقًا بشكل ملفت لا يتناسب مع طبيعة المكان، متأففًا عصبيًا لا يكف عن التلفت يمينًا ويسارًا محاولًا إجبار نفسه على الاستمرار في الجلوس، بينما يجلس على المنضدة المقابلة الصحفي “مجدي عز العرب” الذي كان ضحية “هشام باشا” في السابق، يكتب مقالًا جديدًا بينما يرتشف الشاي، ثم يلمح هشام باشا صدفة فلا يقاوم إغراء جذب أطراف الحديث معه.
مجدي: صباح الخير يا أستاذ هشام.
هشام (تبرق عيناه بدهشة وغضب إثر مناداته بلقب أستاذ): صباح الخير.
مجدي: حضرتك مش فاكرني؟ أنا مجدي عز العرب.. الصحفي اللي حققت معاه، واتهمتني بإثارة الرأي العام والعمل على قلب نظام الحكم.
هشام (بضيق شديد): لأ مش فاكر.
مجدي: طبعًاَ معذور.. هاتفتكر مين ولا مين.
هشام (بغضب): حضرتك عايز إيه دلوقتي؟
مجدي (مبتسمًا): أبدًا.. مجرد دردشة.
هشام (بينما يشيح بوجهه للجهة الأخرى): متأسف.. مش فاضي.
مجدي: هو حضرتك بتشتغل حاجة بعد ما طلعت على المعاش؟
مجدي (بغضب): حاجة غريبة قوي.
ثم يلتفت مناديًا الجرسون حتى يدفع الحساب ويهرب من الموقف، فيعاجله مجدي بطلب قهوة من الجرسون معلنًا سيطرته على الوضع، ثم يوجه حديثه لهشام.
مجدي: أنت عارف التهمة اللي نسبتهالي كان ممكن ترميني في السجن شهور وسنين، لولا أن بعض المسؤولين في البلد اللي يعرفوني كويس وقفوا جنبي لغاية ما انتهى الموضوع، انتهى الموضوع وجوايا سؤال محيرني.. أنت كنت بتعمل كدا ليه؟!
بتدور علي شهرة أو مجد أو ترقية ولا علاوة؟ إيه اللذة الغريبة اللي بتلاقيها لما تلفق لواحد تهمة؟
هشام (بغضب): لذة إيه يا راجل أنت! أنا شغلي إني أحمي البلد.
مجدي (بكل ثقة): مين اللي أقنعك أن التصرفات دي اللي بتحمي البلد؟! ومين اللي فهمك أصلًا إنك أكتر وطنية مني أو من اللي قبضت عليهم؟
هشام (بضيق شديد): لا.. اقف عندك أنا مسمحلكش باللهجة دي.
مجدي: طبعا مش متعود على المناقشة.. مبتحبش تسمع إلا صوتك بس.
هشام (بعصبية شديدة): هو دا أسلوب المتطرفين.
مجدي (مبتسمًا): شايف.. أديك منحتني تهمة جديدة، طبعًا.. تشكيلة التهم متوفرة عندك، لو كنت دلوقتي على مكتبك قاعد على كرسيك وسط الهيلمان والسلطة، كانت الأقوال اترصت والتقارير اتكتبت، وألف حسرة على اللي يقع تحت إيدك.
هشام (متحديًا): أنا خدمت البلد.. ولولايا كانت الفوضى خربت كل حاجة.. إحنا يا حضرة الصحفي في حالة حرب، ومسؤوليتنا حراسة البلد من الأعداء.
مجدي: الحرب الحقيقية إحنا عارفين جذورها وأطرافها، أما الحرب اللي أنت بتتكلم عليها مش موجودة إلا في تفكيرك وتفكير اللي زيك.. أنتوا اخترعتوها علشان توقعوا الناس في بعض وتلخبطوا الحاكم وتشغلوا الناس بأعداء وهميين، الحمد لله إنك طلعت على المعاش يا أخي.
هشام (بعصبية شديدة): بالتأكيد أنت عميل أجنبي.
يأتي الجرسون بالقهوة، فيشير إلى هشام قائلًا للجرسون: خلي البيه يشربها عشان يفوق.
(مشهد من فيلم زوجة رجل مهم إنتاج عام 1987).
مشهد (2)
ليل داخلي – مكان مجهول توحي نوعية الأثاث المكتبي والإضاءة بأنه مقر من مقار أمن الدولة السرية.
يقف وائل غنيم مرتجفًا معصوب العينين أمام ضابطي التحقيق اللذين لا يظهر وجهاهما، ويتناوبان عليه بالأسئلة.
ضابط 1: أنت بقى اللي عمال تحرض ضد الداخلية بقالك شهور وعامل فيها بطل وبتستغل قضية واحد حشاش (يقصد خالد سعيد) عشان أهداف سياسية وضحت دلوقتي.. أنت إنسان حقير وخاين لبلدك.
وائل (باكيًا): والله العظيم أنا بحب بلدي، ومعملتش الصفحة ديه (يقصد صفحة كلنا خالد سعيد) إلا عشان نفسي بلدي تبقى أحسن، والداخلية تتطور، ونفسي كرامتنا ترجعلنا بعد ما راحت.
ضابط 1 (مقاطعًا): تتطور إيه؟ وإيه اللي أنت شايفه بتعمله الداخلية غلط؟ مشكلتكم إنكم فاكرين نفسكم فاهمين كل حاجة، وأنتم مش فاهمين أي حاجة وبيتم استغلالكم عشان تدمروا بلدكم.
وائل: بلدنا كل يوم اللي بيدمرها هما السياسيين اللي ماسكينها وبيسرقوها وينهبوها، والظلم اللي بيقع على الناس.
ضابط 2: كنت بتقابل مين في المطعم اللي في الزمالك؟
وائل: زميلان من شركة جوجل بأمريكا.
ضابط 2 (مقاطعًا بعصبية): أيوه ودول اللي حضرتك بتتلقى منهم الأوامر؟ أنت خاين لبلدك لمصلحة أجهزة المخابرات الأجنبية، وعملك في جوجل تغطية لعملك الاستخباراتي.
(حدث بالفعل بتاريخ 28 يناير 2011 فجرًا – من كتاب الثورة 2.0 – وائل غنيم).
مشهد (3)
نهار خارجي – مظاهرات حاشدة أمام وزارة الدفاع بمنطقة كوبري القبة لإطلاق سراح الضباط الثوريين المتهمين في قضية ضباط 8 أبريل.
يقف العميد ممدوح أبو الخير مساعد مدير الشرطة العسكرية في صدارة المشهد متقدمًا جنوده لمواجهة المتظاهرين.
ممدوح أبو الخير (يصيح في إحدى المتظاهرات بغضب شديد): عليا الحرام من ديني أنتي قابضة.. أنتي قابضة.. قابضة كويس.
(حدث بالفعل بتاريخ 2 يوليو 2011).
مشهد (4)
ليل خارجي – مشهد صامت – مظاهرات عارمة أمام مسجد النور بالعباسية فيما عرف بأحداث العباسية الأولى.
يبدأ أهالي منطقة العباسية وبعض البلطجية بافتعال مصادمات متعمدة مع المتظاهرين، بينما يقف جنود الشرطة العسكرية خلف الأسلاك الشائكة مكتفين بتوزيع الابتسامات بدلًا من التدخل لوقف العنف في مشهد سريالي عبثي، يتوسط قوات الشرطة العسكرية العميد ممدوح أبو الخير الذي يشير للثوار بإصبعيه السبابة والإبهام بإشارة مصرية خالصة تعني أنهم مأجورون وممولون.
(حدث بالفعل بتاريخ 23 يوليو 2011).
مشهد (5)
نهار خارجي – أمام مسرح راديو وسط البلد
وقفة غاضبة من المواطنين الشرفاء للمطالبة بمحاكمة باسم يوسف.
صيحات غاضبة في خلفية المشهد، ومذيع من شبكة يقين الإخبارية يحاور سيدة بسيطة كما يبدو من ملابسها تدعى مدام إيمان.
مدام إيمان: أنا إيمان محمد عبد العزيز من القليوبية، رأيي إنه إنسان خرازو.. أراجووز، إنسان سلبي لا إجابة ليه، إنسان مش موجود في الوجود، إنسان عميل للأمريكان، اللي يحب وطنه ميعملش كده، توفيق عكاشة هااا.. مش لاقي قناة يشغلها مشتمش..، مباعش القناة علشان يعمل أراجوز زي ده هاا، مصر حرة، خط أحمر لمصر، خط أحمر للجيش، للشعب، للشرطة، لقضاء مصر، أقول تحيا مصر، تقوليلي إعلام أقول خط أحمر، عايزة إعدام للإرهاب، وعايزة محاكمة لباسم يوسف، وعايزة قفل السيما.. مشخصاااااااااااااتي.. مشخصاااااتي.. خدت خمسة مليار يا باسم؟
وزعتهم في بنوك سويسرا ولا أمريكا؟
ينتقل المحاور إلى أحد المواطنين الشرفاء الآخرين من أرباب المعاشات.
المواطن الشريف: بسم الله الرحمن الرحيم، واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا.. الاتحاد.. قوة، الاتحاد يا شعب مصر قوة، بدي رسالة النهاردة للـ.. آه ه.. باسم يوسف، بقوله يا باسم يا يوسف، أنت لو أنت راجل محترم اتفضل ارحل من جمهورية مصر العربية، أنت حامل جنسية إيه؟ أنا عايز أعرف؟ أنت حامل جنسية مصرية؟
يبقى المفروض تحترم شعب مصر وتراب مصر، ولكن أنت بتثبت أنك أنت خسيس بتتعامل مع الأمريكان عشان أنت أمريكاني وخسيس ونذل، وأنت تستحق اللي قاله عليك السيد المستشار مرتضى منصور، أنا بحيي السيد المستشار مرتضى منصور من هذا اليوم، اللي قاله عليك مرتضى منصور ده طلع على حق، وأنت نذل وخسيس وبطالب باحكامك وإعدامك من هذا اليوم، والله إحنا بنطالب من القضاء الحكم السريع ضد هذا المجرم والسفاح قليل الأدب باسم يوسف، الإعدام وليس السجن..
الإعدام وليس السجن، وبقول لأي واحد المخابرات هاتقبض على أي من يخالف القانون، وبوجه رسالة للسيد وزير الداخلية محمد إبراهيم بكل حب واحترام له الذي حمى الأمن الداخلي وحمى شعب مصر، أن باسم الزفت باسم يوسف، إحنا بنطالب الإعدام وليس السجن، لأن السجن هياخد فترة طبقًا للقانون.. خمس سنين.. عشر سنين.. هايطلع، إنما لأ، أنا بطالب يا إما اعتقاله مدى العمر، أو إعدامه لأن الجيش خط أحمر، وبوجه رسالة لرئيس الجمهورية هل أنت مبسوط من اللي طلع قاله باسم يوسف النذل الخسيس الخنزير اللي هو قاعد عامل زى الست دلوقتي؟
أتاريه كان في ميدان التحرير لما كان بيتكلم كان متفبرك من أمريكا ومن الإخوان لما كان قاعد بيتريق على محمد مرسي ودي حتة أونطة فبركة بيجيبلوه أنه يطلع يتكلم ويتريق وبيعمل، أتاريه كان فيه اتفاقية إنما أنا بقوله يا باسم يا يوسف يا خنزير يا نذل يا حيوان الجيش خط أحمر والشعب خط أحمر والشرطة خط أحمر وشكرًا جزيلًا.
(حدث بالفعل بتاريخ 30 أكتوبر 2013).
مشهد (6)
نهار داخلي – قاعة محكمة
يجلس القاضي ذو النظارة السوداء في مقعده متوسطًا هيئة المحكمة، بينما يقف أحد شباب الثورة أمامه في موضع الاتهام، بينما يقف ممثل النيابة واصفًا المتهم بأنه من المأجورين العملاء والخونة ضعاف النفوس الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، وأعملوا العقل فيما يضر الوطن ولا ينفع وصاروا من المفسدين فى الأرض حتى رأوا الوطن جريحًا فانقضوا عليه يشربون من دمائه.
القاضي (موجهًا حديثه للمتهم): الحركتين دول مش عليا أنا.. أنت عميل وخاين وأنتو قابضين من برا.
المتهم: يا فندم القضية مسيسة وغرضها الانتقام من الثورة ومن اللي قاموا بالثورة.
القاضي: قصدك النكسة الممولة من الخارج مش كده؟
المتهم: كلام حضرتك يا فندم بيأكد أن الحكم معد مسبقًا ومفيش داعي للدفاع أصلًا وأنا بطالب من حضرتك إنك تنطق بالحكم ونخلص.
القاضي: أنت فاكر نفسك فين يا عميل؟ أنت واللي زيك خربتوا البلد.
المتهم: أنا لا أرتاح لعدالة تلك المحاكمة وبالتالي أطالب برد المحكمة.
القاضي (بغضب): حكمت المحكمة بالسجن حضوريًا على المتهم.. بالسجن المؤبد وغرامة قدرها 17 مليون جنيه.
يبتسم المتهم في وجه القاضي ثم يقوم بالتصفيق ترحيبًا منه بالحكم المتوقع.
(مشهد تخيلي مستوحى من محاكمة أحد شباب الثورة).
ثم تهبط كلمة “النهاية” متبوعة بالمقولة الأشهر للفيلسوف الألماني كارل ماركس “التاريخ يعيد نفسه مرتين، في المرة الأولى كمأساة وفي الثانية كمهزلة”.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست