مع التطورات الأخيرة التي تشهدها الساحة السورية وتغير خارطة السيطرة بشكل واضح وفق تفاهمات الدول الفاعلة على الأرض يتبين للعيان تقسيم الأراضي وفق اتفاقات سياسية؛ فالشمال السوري من القامشلي وحتى جبل التركمان بمسافة 20 كيلو متر في العمق السوري سيصبح تركيًا بشكل كامل، بينما يسيطر النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون على باقي المساحة وفق ما اتفقوا عليه فيما بينهم وقد تبقى المليشيات الكردية والقواعد الأمريكية في بعض النقاط، وهو أمر يبدو لزامًا عليهم العمل عليه وعدم الانسحاب بشكل كامل في حال صدق نية الرئيس الأمريكي في كبح لجام المليشيات الإيرانية العابرة للحدود من خلال إنشاء نقاط على الحدود السورية العراقية شمالًا من القامشلي وجنوبًا حتى التنف، وهذا ما تريده إسرائيل وأعضاء من الكونجرس لمنع وصول دفعات السلاح والصواريخ من إيران إلى حزب الله برًا.
لكن الخلافات على تقاسم الأراضي ما زالت مستمرة بوجود بعض التعقيدات ومنها رغبة النظام بالسيطرة على مراكز المدن المتبقية خارج نفوذه وهي الحسكة والرقة الخاضعة لحكم المليشيات الكردية فبينما يرفض النظام منح إدارة ذاتية لهذه القوات ولا زالت قسد تحارب سياسيًا وعسكريًا وتحاول إقناع الأمريكان بضرورة دعمهم وعدم التخلي عنهم، وهو أمر لا يمكن لأحد ضمانه؛ فالإدارة الأمريكية تتحرك وفق مصالحها ومصالح شركائها في المنطقة، وعندما تقتنع بعدم جدوى دعم هذه القوات ستبادر بالانسحاب من المدن الكبرى وسيبقى تواجدها محصورًا بالدعم العسكري واللوجستي على الحدود السورية العراقية لضمان عدم عودة «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)» من جهة، ولكسر مخططات إيران في المنطقة، لذلك قد تتخلى عن مركزي مدينتي الحسكة والرقة مع بقاء بعض الجنود مع (قسد) في شرق الحسكة، والبعض الآخر مع قوات الجيش الحر في التنف، ولا زال مصير مدينة البوكمال شرق دير الزور مجهولًا، فعلى الرغم من الأخبار المتداولة عن رغبة التحالف الدولي بالسيطرة على المدينة الحدودية، إلا أن لا يمكن لأحد التنبؤ بما سيحدث، فإيران لا زالت مستمرة في التجنيد، وإرساء قواعدها ومليشياتها في المنطقة ضاربة جميع التهديدات الأمريكية والإسرائيلية عرض الحائط.
من ناحية أخرى تواجه تركيا حليفة المعارضة، وروسيا حليفة النظام اختلافات كبيرة في تقاسم ما تبقى من إدلب وريفها؛ فالنظام كعادته يسعى للسيطرة على مركز المحافظة بينما تحاول تركيا ضمها للمنطقة الآمنة في سعي منها لتوسيع هذه المنطقة للسوريين، لكن على ما يبدو أن هذه المعضلة لن تكون عائقًا كبيرًا في حال تم الاتفاق على مصير الجهاديين المتواجدين في الشمال الغربي، وهو تحدي كبير يقض مضجع جميع الدول، وليس تركيا وروسيا فقط فإن تم التوافق على حصر هؤلاء المقاتلين في جبلي التركمان، والأكراد، بالإضافة لمدينة جسر الشغور الكبيرة نسبيًا مقارنة بمركز المحافظة نتيجة عدم القدرة على الخلاص منهم سيستميت النظام وحلفائه في السيطرة على إدلب المدينة، بينما في حال رفض الروس والنظام لهذا الخيار واللجوء للخيار العسكري للسيطرة على قرى الساحل وجسر الشغور فربما تتغير المعطيات، ويتم منح مركز المدينة لتكون جزء من المنطقة الآمنة التركية.
عراقيل عدة تواجه الدول الفاعلة على الأرض، لكن أهمها سيكون الحدود السورية العراقية ومن يتولى الإشراف عليها، أضف لذلك مشكلة الجهاديين، وخاصة غير السوريين، حيث سيكونون بمثابة مأزق دائم، وخاصة لتركيا؛ كونهم يتواجدون على حدودها الجنوبية، وسيشكلون منطلقًا للعمليات القادمة في الشمال، بينما سيتولى (داعش) عمليات الهجوم على الجنوب والشرق والوسط نتيجة انتشاره في البادية السورية وقربه من صحراء الأنبار العراقية.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست