“إن العالم أصبح جزيرة من الأغنياء تحيط بها بحار من الفقراء” هكذا وصف رئيس جنوب أفريقيا “مبيكي” في مؤتمر قمة الأرض بجوهانسبرج.

إن تدني مستوى الدخول للأفراد وتزايد نسب الفقر بين المواطنين قد يدفع المصريين إلى حالة اليأس الاجتماعي وهي حالة تجلت إحدى صورها في قيام ثورة 25 يناير، ولعل الضغط الذي يسببه العوز والفقر على أى مواطن قد يدفعه لارتكاب أعمال عدوانية.

إن نصيب المواطنين في مصر من الثروة الاجتماعية تناقص بشدة أثناء حكم النظام السابق كما أنه تعرض بعد ثورة 25 يناير للتناقص وبات دخل الفرد أضعف مما كان عليه في ستينيات القرن الماضي.

بحسب دراسة قام بها مجلس أمناء الاستثمار في عام 2010 والتي تم إجراؤها على شريحة كبيرة من المواطنين وقد استهدفت الدراسة الموظفين الحكوميين من أصحاب الدخول الثابتة، وقد قامت الدراسة بدراسة الدرجات الوظيفية الأدنى وأوضحت الدراسة أن الموظف بالدرجة السادسة وهي أدنى الدرجات الوظيفية في مصر ترواح حجم دخول الأفراد من وظيفة إلى أخرى وذلك حسب المصلحة الحكومية التي يعمل بها الموظف.

إذ أن موظف بالدرجة السادية بوزارة البترول يزيد دخله عن موظف على نفس الدرجة بوزارة التموين مثلا. أوضحت الدراسة أن قيمة الأجر الأساسي للموظف بالدرجة السادسة يبلغ 394 جنيها في الشهر، وهذا المبلغ الذي إذا تمت قسمته على 4 أفراد – متوسط حجم الأسرة في مصر – يبلغ نصيب الفرد منها 98 جنيها وهو مايقل عن النسبة العالمية والمحددة برقم قدره البنك الدولي ومنظمة الأمم المتحدة “164 جنيها” للفرد و665 جنيها شهريا، وقد ذكرت الدراسة أيضًا أن دخل الأسرة المصرية بلغ 4728 جنيها سنويا وهي نسبة أقل من خط الفقر العالمي.

إن الفقر وتدني مستوى دخول الأفراد في مصر يحول دون الارتفاع بوعى الشعب والذي هو المطلب الأساسي بل وهو الشرط الذي بدونه لا تتحقق الديموقراطية والحرية التي سعى إليها المصريون ودفعوا من دمائهم وأرواحهم من أجلها. إن العوز أو الفقر يجعل الإنسان غير عابئ بتحقيق الديموقراطية لأنه ببساطة لن يستطيع التفكير أو الخروج من معضلة “إطعام البطون أو إطعام العقول”. فكيف لإنسان أن يفكر وبطنه تؤلمه من الجوع. إن توفير الرغبات الأساسية والاحتياجات الأولية للإنسان هي مسؤولية الحكومات، وفي كل الدول تحاول الحكومات أن توفرها لمواطنيها ولكن في مصر تعد هذه رفاهية للمواطنين ورغم وعود الحكومات الكثيرة إلا أن شيئا من وعودها لم يتحقق بل على العكس زادت البطالة وانكمشت الدخول وباتت نسب الدخول في أدنى مستوياتها.

في العام 2013 وبحسب التقرير الصادر من منظمة الأمم المتحدة لقياس مستوى الفقر والصحة والتعليم حيث أشار التقرير إلى أن نصيب الفرد في مصر من الناتج المحلي الإجمالي يبلغ 5 آلآف و269 دولار ويبلغ متوسط العمر 73.2سنة، بينما نصيب الفرد في إسرائيل 25 ألفا و849 دولار ويبلغ متوسط عمر الإنسان 81.6 سنة، ويبلغ متوسط نصيب الفرد في النرويج أفضل دول التنمية البشرية 47 الف و557 دولار سنويا.

وهذا يوضح الفارق الرهيب بين مستوى نصيب الفرد من الناتج المحلي في مصر وبين نظرائها من الدول الأخرى، إن المواطنين قد يدفعهم العوز والفقر وسوء توزيع الثروة إلى الاضطرابات ولعل المظاهرات الفئوية التي تضرب شوارع مصر إحدى هذه الوسائل والطرق التي يستغيث بها المواطن الحكومة راجيا منها أن تسمع لنداءاته وصراخه الذي بات يهدد السلم والأمن العام.

إن ثورتين قام بهما الشعب المصري رافعا شعارات “عيش – حرية – عدالة اجتماعية” والنتيجة صفر. إن المشكلة الاقتصادية وخاصة انخفاض مستوى الدخول وتدني مستوى المعيشة وتزايد نسب الفقر بين المواطنين قد يدفع بهم إلى حالة من اليأس الاجتماعي وهو ما يهدد أي دولة تريد بناء حكم ديموقراطي.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد