إن كانت الأمراض المتفشية هي تلك الآفة التي تستوطن جسد الإنسان وتهدده، وتعد من أهم أسباب عدم الراحة ومنغصات الحياة، فالفقر هو ذلك المرض الذي يتفشى في جسد العالم ويستوطنه. والفقر في تعريفه هو الحاجة والاحتياج، وعدم القدرة على توفير المتطلبات الأساسية كالمسكن والمأكل والمشرب والصحة والتعليم، وبالتالي عدم توافر حرية إنسانية، وانحدار مستوى العدالة، وظهور فجوات اجتماعية وعنصرية طبقية.

كما لا يلبث أن يمثل الفقر أسوأ أشكال العنف؛ لأنه هو تلك العلة التي من الممكن أن تصل بالإنسان إلى حد القتل، حتى وإن كان إنزال الأذى سيعود على أقرب المقربين بداعي الحاجة. ولكن رغم كل تلك الحلول والإحصاءات التي وضعت لمجابهة تلك الآفة المعدية ما زال عدد الفقراء في ازدياد. ولا توجد إلى اليوم نظرية أو نظام يستطيع أن يُنهي الفقر. أو حتى أن يعمل على تقليص تعداده الحالي أملًا في إيجاد سبيل للقضاء عليه في المستقبل.

رغم كل تلك الثروات التي يتمتع بها العالم، والتي وجب توزيعها والاستفادة منها بين الناس على حد سواء، فإننا ما زالنا نلاحظ أن عددًا قليلًا من الناس هم من تَعود عليهم كل منافع وعوائد تلك الثروات دونًا عن غيرهم. وكما حدد البنك الدولي، فالفقر هو أن يقل دخل الفرد عن 60 دولارًا يوميًّا. ولكن كما نعلم جميعًا، فهذا المبلغ الذي حدده البنك الدولي يعد ثلثه حلمًا لمواطني بعض البلاد الأفريقية. وما لا يمكن إنكاره هو أن أكثر دول العالم فقرًا تقع في أفريقيا، وهو ما يعد حقيقةً مؤسفة، رغم كل ما تمتلكه القارة السمراء من ثروات ومصادر طبيعية. ومن بعض تلك الدول: جمهورية أفريقيا الوسطى، جمهورية الكونغو الديمقراطية، بوروندي، ليبيريا، النيجر، مالاوي، موزنبيق، غينيا، إريتريا، مدغشقر.

ما مسببات الفقر؟

من أهم أسباب الفقر: الجهل، الحروب، البطالة، الاستعمار، التواكل على الغير، عدم إيصال المساعدات الدولية والمعونات الشخصية لمستحقيها كاملةً، الصراعات الداخلية التي تحد من التنمية والتطور، سوء توزيع الثروة، تدني مستوى التكافل الاجتماعي.

وكما قال الشيخ الشعراوي رحمه الله: إن رأيت فقيرًا في بلاد المسلمين، فاعلم أن هناك غنيًا قد أكل حقة. وأسوأ ما قد ينتج عن الفقر:

1- فقدان الرغبة في الحياة بسبب المشكلات الاقتصادية، وذلك بالانتحار، كما حدث في الآونة الأخيرة بعد ما تعرضت له مصر من حالة بطالة عارمة. مما أدى إلى ظهور حياةٍ رتيبة تُشجع على الاكتئاب وعدم الشعور بالأمان في تحقيق حياة جيدة؛ فخلقت مشكلات نفسية لا حصر لها.

2- انعدام ثقة الفقراء في المجتمع مما ينتج عنه التعدي عمدًا على الغير بالسرقة والإكراه؛ لتحقيق مكاسب شخصية وإعادة الثقة بالنفس في صورةٍ من عدم احترام مبادئ التعايش.

3- إنتاج أفراد قد تزداد أعدادهم لتمثل أجيالًا كاملة في حاجةٍ لأقل الإمكانات، فلا يألوا ذلك إلا إلى إخلال التوازن المجتمعي وانعدام الأمن.

4- ظهور مشكلات، كالحقد الطبقي على الأغنياء، وهو أحد مسببات إخلال التوازن الأمني والاجتماعي أيضًا. كما لا يقوى على فتح باب التوظيف أو مشاركة ومصاحبة الفقراء في كثيرٍ من الأحيان.

5- انشغال الفقراء وعائلاتهم بالعمل في التسول، وجمع القمامة، عن التعليم؛ مما يسفر عن خلق جيل من المحرومين الجهلاء غير الأكفاء للعمل أو تحمل المسؤوليات في المستقبل، فتتفاقم المشكلة ولا ترى الأطفال إلا في الشوارع والأسواق أو تحت الكباري.

6- الفقر هو أحد نتائج عدم تطبيق العدالة الاجتماعية، فلا يوجد للفقير مكان أو حق في كسب معركة طرفها الآخر من الأغنياء.

7- الفقر هو أكبر مسببات الأمراض، والتي تفتك بحيوات البشر لعدم توافر تأمين صحي، أو منظومة صحية تختص بهم، أو تنفعهم عند الحاجة.

وكما قال الشاعر:

فكما يصنع الحب شعراء *** يصنع الفقر لصوصا
والنَّاس من خوف الفقر في فقرٍ *** ومن خوف الذل في ذُل

وكما قال الإمام علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه-: لو كان الفقر رجلًا لقتلته. وقد صح قول القائل: إذا سافر الفقر إلى مكانٍ ما قال له الكفر خذني معك.

بعض حلول مشكلة الفقر

1- في رأيي الشخصي، أرى أن التعليم هو الحل لكل مشاكل العالم، وخاصةً مشكلة الفقر. فالفقر لا ينبع إلا من عقولٍ لا تقوى على التفكير أو تدبر أمورها. نظرًا إلى خلوها من مقومات مواجهة المشاكل والتعامل معها. وهنا يأتي التعليم ليمثل السبيل الوحيد لإيصال تلك المفاهيم لهم، وخلق مجتمع صاحب كفاءة ومهارة قيادية في المستقبل.

2- إيصال المساعدات والمعونات الشخصية والدولية إلى مستحقيها كاملةً دون نقصان. فحينما تتعاون وكالات الخدمات الاجتماعية الموثوقة مع منظمات الإغاثة الدولية سيضمن ذلك إيصال المساعدات والاحتياجات الرئيسيّة إلى الفرد. وكلنا نعلم كم من مؤسسة بدت في شكلها الظاهري تسعى إلى مساعدة الفقراء، ثم ما لبثت أن كانت مؤسسة ربحية يديرها حفنة من اللصوص، الذين يجمعون الإعانات لمصالحهم الشخصية في مختلف بلدان العالم.

3- زيادة الوعي وتسليط الضوء على المشكلة؛ لأن تفاديها وتجنبها لن يؤدي إلا إلى تفاقمها وعدم توافر بيانات صحيحة عنها تمكننا من تجهيز ما يلزم للحد منها والسيطرة عليها ومجابهتها بالشكل المطلوب في القريب العاجل.

4- الحد من البطالة وإشغال الشباب بالعمل، وخاصةً الأعمال الحرفية والمهنية، سواء كان ذلك بعد انقضاء أوقات الدراسة أو في المعسكرات الشتوية والصيفية. وهو ما سيوفر لهم مصادر دخل أخرى بجانب الدراسة، فلا يتملك منهم الاكتئاب أو يعرف لهم الإحباط طريقًا.

5- توزيع الثروات توزيعًا عادلًا لتقليص الفجوة المرعبة بين الأغنياء الذين استفحل غناهم وبين الفقراء الذين أعيانا احتياجهم. وهو ما سيوفر حياةً مستقرة آمنة أساسها التعايش السلمي.

شاركونا بحلولكم. دُمتم في نعيم.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

تحميل المزيد