سبيل النجاة من طاعون العصر كورونا ؟

يمر العالم بأزمة خطيرة لا تخفى على الكبير، ولا على الصغير من حيث تأثيرها المدمر على البشر جمعاء، فقد انتشرت كالنار في الهشيم بين الدول منذ خروجها من معقل ظهورها في الصين، فبالرغم من الإغلاق التام على مقاطعة ووهان في الصين، وعزلها تمامًا عن محيطها، إلا أنها تجاوزت كل أشكال العزل والحجر وحلقت فوق البحار قطعت المحيطات وتسلقت الجبال وسافرت عبر الموانئ وركبت الطائرات لتصل لكل شبر على هذه البصيرة وكأنها تقول للبشر: أنا قدر الله في أرضه فهل تستطيعون إيقافي؟ إنه فيروس «كورونا» (كوفيد-19) والذي أصبح جائحة ووباء عالميًا يعادل أوبئة خطيرة مرت على تاريخ البشرية كالطاعون، والجزام، والبرص، وأنفلونزا الطيور، والخنازير، وغيرها الكثير التي قتلت مئات الملايين من البشر، فهل فكر أحدنا في خضم هذه المعركة المحتدمة بين البشر في كل أنحاء العالم من جهة وفيروس «كورونا» من جهة أخرى؟ كيف تعامل النبي – صلى الله عليه وسلم – مع شبيهه من حيث الأسباب وسرعة الانتشار والدمار الذي سببه؟ وكيف تعامل معه العلماء والحكماء من بعده تاريخيًا؟ وكيف لحق بالبشر الدمار والهلاك جراء مخالفة الهدي النبوي في مقاومة مثل هذه الأوبئة الخطيرة والطواعين المدمرة؟

قبل أن أبدأ في سرد النقاط الرئيسة والتي لخصت فيها الهدي النبوي وعلماء السلف والخلف في تعاملهم مع مثل هذه الجائحات والطواعين الخطيرة، أود أن ألفت نظر كل قارئ إلى حجم الكارثة التي يمر بها العالم أثناء كتابتي لهذه السطور حيث أعداد المصابين والوفيات في اطراد وزيادة مستمرة لا تتوقف، فقد وصلت أعداد المصابين إلى قرابة 300 ألف، والوفيات تجاوزت 11 ألفًا حول العالم، فالأمر جد خطير ويحتاج لتكاتف من العالم أجمع لإيقاف هذا الوباء المدمر الذي تجاوز الخطوط الحمراء، ولا سيما مع انتشار الأخبار المتتالية والدراسات التي تنشر من مراكز الأبحاث وصناع القرار حول العالم بأنه إن لم ينجح العالم في إيقاف هذا الغول فقد يضرب 3 مليار من البشر بين إصابة وموت محقق بسبب نقص المياه، ومواد التنظيف، والقدرة الاستيعابية للمشافي، ومدى تطور المؤسسات الصحية حول العالم، وخاصة في الدول الفقيرة التي تعاني نقصًا شديدًا فيما سلف ذكره.

ومن هذا المنطلق يجب علينا حكامًا ومحكومين أن ندرك المنهج الصحيح الذي جاء به الإسلام من فوق سبع سماوات، والذي وضح السبيل القويم للتعامل مع مثل هذا الوباء، والذي يتخلص في ثلاثة مسارات:

أولها المسار المجتمعي والمتمثل في العزل الصحي للمصابين والحجر لغير المصابين وقد جاء في دليل هذا الأمر من السنة النبوية سؤال عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم عن الطاعون فأجابها «عذاب يبعثه الله على من يشاء، وأن الله جعله رحمة للمؤمنين، ليس من أحدٍ يقعُ الطاعونُ فيمكث في بلده صابرًا محتسبًا، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر شهيد»، رواه البخاري، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه» فقد وضح المنهج النبوي، والذي أثبت الطب الحديث صحته الآن بنجاح العزل الصحي والحجر في إيقاف تمدد الوباء والقضاء عليه في بؤرة ظهوره، ولو التزم أهل الأرض من مسلمين وغيرهم بهذا الهدي النبوي لما وصل حالنا لهذا الوضع المؤسف والخطير.

ثانيًا المسار الطبي الدوائي والمتمثل في التداوي والبحث عن علاج حقيقي للمرض بعيدًا عن الدجل والشعوذة ومظاهر التخلف المنتشرة بين كثير من البشر في التدواي، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تداووا عباد الله».

وثالثًا المسار التوعوي التثقيفي والمتمثل في نشر الثقافة العلاجية والمرضية بين أفراد المجتمع واتضح ذلك في طاعون الشام زمن الفاروق عمر رضي الله عنه وحديثه المشهور مع أبي عبيدة بن الجراح، وكيف قام عمر بالسؤال واللجوء للعلم وقيام عبد الرحمن بن عوف بتوضيح الطريقة الصحيحة في التعامل مع الوباء كما فعل النبي – صلى الله عليه وسلم – دون كتمان للعلم والثقافة، ففي التوعية المجتمعية خير كثير لأخذ الاستعدادت اللازمة لمقاومة الوباء والقضاء عليه مبكرًا دون خسائر كثيرة في الأرواح.

وأخيرًا أختم بهذه الرواية التي يرويها ابن حجر العسقلاني والتي توضح الكارثة التي وقعت في زمنه عند ظهور الطاعون واختلاط المسلمين ببعضهم وتجمعهم بهدف الدعاء لرفع البلاء مخالفين الهدي النبوي في التعامل مع الطاعون والأوبئة الخطيرة التي تنتشر عن طريق العدوى، حيث يقول والكلام لابن حجر العسقلاني في «بذل الماعون» صفحة 338 – 339: «فليس الدعاء برفع الوباء ممنوعا ولا مصادمًا للمقدور من حيث هو أصلًا، وأما الاجتماع له كما في الاستسقاء فهو بدعة»، ثم يتم ابن حجر كلامه: حدثت في الطاعون الكبير سنة479 بدمشق فقرأت في «جزء المنبجي» بعد إنكاره على جمع الناس في موضع فصاروا يدعون ويصرخون صراخًا عاليًا وذلك في سنة 764هـ لما وقع الطاعون بدمشق… فعظم الطاعون بعد ذلك وكثر! وكان قبل دعائهم أخف!

قلت، والكلام لابن حجر العسقلاني: «ووقع هذا في زماننا حين وقع أول الطاعون بالقاهرة سنة 833 هـ، فكان عدد من يموت بها دون الأربعين فخرجوا إلى الصحراء في 4 من جمادى الأولى، بعد أن نودي فيهم بالصيام ثلاثة أيام، كما في الاستسقاء واجتمعوا ودعوا وأقاموا ساعة ثم رجعوا».. ثم يستكمل ابن حجر كلامه فيقول: «فكثر فيهم الموت أضعاف ما كان! وفي رابع من جمادى الأولى بلغت عدة الموتى بالقاهرة – خاصة – في اليوم: 1200 نفس ووقع الموت في مماليك السلطان، حتى زاد في اليوم على 50 ألفًا منهم.

ثم شرع ابن حجر العسقلاني في بيان رأيه حيث يقول: «إنه لو كان مشروعًا (يعني: الاختلاط والتجمع للدعاء زمن انتشار الوباء والطواعين) ما خفي على السلف ثم على فقهاء الأمصار، وأتباعهم في الأعصار الماضية، فلم يبلغنا في ذلك خبر، ولا أثر، عن المحدثين، ولا فرع مسطور عن أحد الفقهاء» انتهى من كلام ابن حجر العسقلاني، من كتاب بذل الماعون.

ومن خلال كلمات ابن حجر العسقلاني التي لخصت الواقع الذي نعيشه بحذافيره، لا يخفى على كل ذي لب سليم وعقل قويم بأن الاختلاط زمن انتشار الأوبئة والطواعين والفيروسات المعدية هو رأس كل بلاء قديمًا وحديثًا فضلًا عن إسناد الأمر لغير أهله، واللجوء لغير المتخصصين في مثل هذه الأزمات الخطيرة، ومن هنا أهيب بنفسي وبكل إنسان على وجه هذه البصيرة، إن أردتم إيقاف هذا البلاء المسمى بفيروس «كورونا» وسواه من الأوبئة الخطيرة والمعدية، ابتعدوا بكل السبل عن الاختلاط والتجمعات فهذه فريضة شرعية وواجب الوقت، لكي ننجح في القضاء عليه قبل أن تكون الكارثة ولا ينفع الندم حينئذ.

لقد فضح فيروس «كورونا» ضعف المؤسسات الصحية حول العالم وكشف إهمال الكثير من الدول حول العالم وخاصة العربية منهم الاستثمار في الصحة والطب والذي أثبتت هذه الأزمة أن البوصلة ليست في اتجاهها الصحيح، وأن سبيل النجاة الوحيد هو التوجه للعلم والصحة والتعليم بدلًا عن إنفاق المليارات على التسليح، ودور السياسة، والقنوات الإعلامية الهابطة.

كما عرى ذلك الفيروس هذه الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها كل دول العالم، وكشفت أن الاقتصاد العالمي هو أوهن من بيت العنبكوت، بسبب السياسات الاقتصادية الخاطئة التي يدار بها العالم، والتي تخالف قوانين العدالة السماوية والأرضية، فقد انهارت أسواق الأموال العالمية في لحظات.. فكيف إن استمرت الأزمة أو طالت.. لعلها تكون وقفة مهمة لكل دولة حول العالم لمراجعة سياستها الاقتصادية ومعرفة الأهم فالمهم والتوجه بشعوبها نحو الاقتصاد الحقيقي، وليس الوهمي، الذي تسبب في سقوط العالم أكثر من مرة.

رسالتي الأخيرة إلى هذا العالم الذي نحيا فيه أن أفيقوا فهذا العالم ما هو إلا مجتمع واحد، وقرية كبيرة مترامية الأطراف، إن أصاب بعضه ضرٌ أصابه كله ولن ينجو منه الآخرون، فلا سبيل للنجاة والحياة الكريمة لكل شعوب هذه البسيطة إلا بالتآلف والتكاتف والوحدة فما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، فهل يعي البشر تلك الحقيقة ويدركونها قبل فوات الأوان؟ وهل يستطيعون إعادة البوصلة لوجهتها الصحيحة؟ أم أن عواصف التاريخ وسيول التميز العرقي والأيدلوجي تكون هي الحاكمة والمسيطرة؟

مجرد تساؤل يحتاج إلى تفكير عميق، وإجابة من هؤلاء الذين يصنعون التاريخ وحسب.. فمن يعيشون على جانبه وهوامشه.. لا يدركون حجم الكارثة.. ويحتاجون للاستيقاظ من هذه الغفلة قبل أن تغرق السفينة إن لم تجد ربانا واعيًا وجديرًا بالقيادة.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

الدعاء, كورونا

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد