أكثر ما يكسر قلب ضحية وربما يكون السبب الحقيقي في وفاتها لا جراحها؛ أن تسير بجانب الطرقات مختفية متوارية من قناصها وصائدها ثم تأتيها الضربة من موطن أمنها ممن لم يأتِ على بالها يوما أن يكتب نهايتها بيده، هكذا مهنتها اليوم التي تعاني ما تعانيه من تغول لأصحاب رؤوس الأموال يساندهم مسئولون يظنون أنفسهم يملكون رؤوس الخلائق والتصرف في مصائرهم أنى تراءى ذلك لخاطرهم، ومع كل ذلك لا يشفق عليها أهلها لاسيما كبار رجالها الذين يرأسون التحرير ومن يعاونون على ذبح المهنة والانقضاض على ما تبقى لدى شبابها من أمل وعزم في إصلاحها.

نقابة الصحفيين أصدرت بيانا ترفض فيه ما نشرته وزارة الداخلية للرد على ملف المصري اليوم، واصفة رد الداخلية بالتضييق على الحريات، وهذا يعود بنقابتنا لما ينبغي أن تكون عليه من دفاع عن الصحفيين لا عن النظام لتثبت قلعة الحريات التي أتشرف بالانتماء إليها أنها قد تمرض ولكن لن تموت، بل إنها سريعا ما تتعافى لتنفض عن ثوبها ما تعلق به من أدران الركود والخضوع، المدهش بعد أن نقلت النقابة بدورها ممثلة عن الصحفيين مواجهة الوزارة مع الزملاء في المصري اليوم إلى مسرح المواجهة مع الجماعة الصحفية أن تعزف الداخلية سيمفونية التحدي على أوتار اللامبالاة بصانعي الرأي العام إذ تستدعي نيابة أمن الدولة كاتبي الملف للتحقيق معهم.

الأكثر دهشة وغرابة بعد كل ذلك أن رؤساء تحرير الصحف الذين يفترض بهم أن يكونوا موجهي سهام الأمل في غد مليء بحرية الرأي بالعلم بالفكر بالتقدم في جسد اليأس والتخلف والتضييق يستمرون في وضع الأشراط الحمراء على القميص الذي يلبسه من يطمحون في التشرف بالعمل في هذه المهنة من شباب الصحفيين، إذ كيف يصير المرء صحفيا دون أن يمر على بابكم وينهل من علمكم ويلبس قواعدكم ويسير وفق أمركم وإلا فتبًّا لمهاراته وأدواته ومصادره.

اليوم تتنافس الداخلية لكي تعود شريطا أحمرا كما كانت قبل الخامس والعشرين من يناير توضع بجانب الأشرطة الأخرى وغدا تزيد هذه الأشرطة حتى يتماهى اللون الأصلي للقميص، لون الصدق والأمانة والأخلاق والعفة والكرامة والإنسانية مع الخوف والمصلحة والغدر وانعدام الكرامة والأخلاق، ولا عزاء للمهنة التي طالما كانت قدس الأقداس في دحر الفساد وصد العناد الفكري والضياع الإنساني.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد