في تطور يعتبره البعض مفاجأة عين الرئيس السوداني عمر البشير نائبه بكري حسن صالح رئيسًا للمكتب القيادي لحزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان تعيين بكري حسن صالح – النائب الأول للرئيس عمر البشير – في منصب رئيس الوزراء، وهو منصب استحدث لأول مرة منذ وصول البشير إلى السلطة عام 1989. وقال مساعد الرئيس ونائبه في الحزب إبراهيم محمود عقب انتهاء اجتماع المكتب القيادي، إن «الأخير وافق على أن يشغل بكري حسن صالح منصب رئيس الوزراء مع الاحتفاظ بمنصبه نائبًا أول للرئيس البشير».

1. النظام السياسي في السودان

شهد السودان تأرجحًا ما بين النظامين البرلماني والرئاسي؛ فبعد الاستقلال شهد السودان ما يعرف بالديمقراطية الأولى وكان نظام الحكم برلمانيًا بوجود عدة أحزاب وحزبي أغلبية يمثلان أكبر طائفتين في السودان (الأمة، الختمية) وتم تشكيل حكومة ائتلافية لم تعرف الثبات إلى أن جاء انقلاب الجنرال إبراهيم عبود بعد سنتين فقط من الاستقلال وتم تحويل النظام إلى رئاسي، لكن لم يطل حكمه فبعد ست سنوات قامت انتفاضة أكتوبر 1964 وتنازل عن الحكم وعاد الصراع مرة أخرى بين الأحزاب بعد عودة النظام البرلماني والذي سمي بالديمقراطية الثانية، وشهدت عدة حكومات هشة واستفحلت مشكلة الجنوب، وبعد خمس سنوات بالتحديد في 25 مايو 1969جاء انقلاب العقيد جعفر نميري ليعود بعدها النظام الرئاسي ويتم إلغاء منصب رئيس الوزراء مرة أخرى، لكن هذه المرة بقي نظام النميري 16 عامًا ولم ينتهِ سوى بانتفاضة شعبية أخرى في أبريل 1985 وعاد النظام البرلماني لتعيد الأحزاب نفس الأخطاء، وبعد أربع سنوات فقط وكأن التاريخ يعيد نفسه جاء انقلاب العميد عمر حسن أحمد البشير ومن ورائه الحركة الإسلامية السودانية وزعيمها الدكتور حسن الترابي ليتم إلغاء المنصب مرة أخرى ويهيمن نظام الإنقاذ على النظام السياسي والاقتصادي للحكم طيلة 27 عامًا ممتدة إلى الآن بنظام رئاسي فيدرالي تتوزع فيه السلطات ما بين المركز والولايات.

2. كيف تطورت الأحداث؟

بعد انفصال الجنوب في 2011 ضعف الاقتصاد السوداني بذهاب نفط الجنوب الذي كان يمثل أهم ركيزة من ركائزه وأهم مورد للعملة الصعبة، وظهر التململ الشعبي مما دفع الأحزاب للضغط على الحكومة وتزامن ذلك مع الكشف عن المزيد من عمليات الفساد المالي والإداري التي كشفها المراجع العام.

اضطر البشير مع ضغط الشارع وخصوصًا أحداث سبتمبر 2013 والتي تعتبر أول مرة يتم فيها كسر حاجز الصمت وتخرج الجماهير في مظاهرات وحدثت أعمال عنف راح ضحيتها العشرات، فقد اتخذ البشير اتجاهًا جديدًا بدأ بإعلان تنحية الحرس القديم من الحركة الإسلامية الذي لازمه منذ المفاصلة التي بموجبها خرج حسن الترابي من دائرة الحزب الحاكم وكون حزبًا جديدًا وأصبح تلميذه علي عثمان محمد طه نائبًا للبشير منذ العام 1998، حتى تمت الإطاحة به 8 ديسمبر 2013 وعين الفريق أول بكري حسن صالح بدلًا منه. وتم استبعاد كل من نافع علي نافع وعوض الجاز وخرج غازي صلاح الدين ليكون حزبًا جديدًا وغيرهم الكثيرون الذين يسمون صقور الإنقاذ.

3. ما هو الحوار الوطني؟

دعا البشير في مطلع 2015 إلى حوار وطني ودعا جميع الأحزاب والحركات المسلحة للمشاركة، وانطلق وسط معارضة لكثير من الأحزاب سواء الطائفية مثل حزب الأمة ويسارية كالحزب الشيوعي ومعظم الحركات المسلحة ذات التأثير الواضح كالحركة الشعبية وحركات دارفور الرئيسية كالعدل والمساواة وحركة تحرير السودان بجناحيها وأغلب الأحزاب التي شاركت ما تسمى أحزاب الفكة التي ليس لها ثقل شعبي.

واختتمت فعاليات الحوار في أكتوبر من العام الماضي وكان من أهم مخرجاته استحداث منصب رئيس الوزراء وفصل النيابة العامة عن وزارة العدل وعدة قوانين أخرى تم إيداعها منضدة البرلمان هناك ما تمت الموافقة عليه ومنها ما ينتظر.

4. ما هي مهام رئاسة الوزراء ورئيس الوزراء القومي؟

يقوم رئيس الجمهورية بتعيين رئيس الوزراء القومي، وأن يشكلا معًا مجلس الوزراء القومي بالتشاور، ويكون رئيس ومجلس الوزراء مسئولين عن أدائهم أمام رئيس الجمهورية والبرلمان، وتسود قرارات مجلس الوزراء القومي على جميع القرارات التنفيذية الأخرى، دون الإخلال بالاختصاصات التي يسندها الدستور لرئيس الجمهورية.
ويكون مجلس الوزراء القومي السلطة التنفيذية القومية بالدولة، وفقًا لنصوص الدستور، ويجيز قراراته بتوافق الآراء أو الأغلبية.
وحددت التعديلات الدستورية مهام مجلس الوزراء وهي: تخطيط سياسات الدولة وفقًا لموجهات رئاسة الجمهورية، وطرح مشروعات القوانين والموازنة القومية، والمعاهدات الدولية والاتفاقات الثنائية ومتعددة الأطراف، وتلقي التقارير حول أداء الوزارات القومية، واتخاذ الإجراءات المناسبة بشأنها، بالإضافة إلى تقارير الأداء التنفيذي للولايات للعلم أو التنسيق، كما يتلقى رئيس الوزراء التقارير بشأن المسائل المشتركة، ويخطر مستويات الحكم الأخرى برغبته.

مهام رئيس مجلس الوزراء القومي، وتتضمن رئاسة مجلس الوزراء القومي ودعوته للانعقاد ووضع جدول أعماله، وتنفيذ القوانين وحماية حقوق المواطنين ومصالح الدولة مع الجهات المختصة، ويشرف ويتابع مع الجهات المعنية إعداد مشروعات القوانين.
ويتابع رئيسُ مجلس الوزراء أعمالَ الوزراء والهيئات، ويصدر التوجيهات والقرارات الإدارية وفقًا للقانون، ويطرح السياسة العامة للحكومة أمام البرلمان، ويوصي رئيس الجمهورية بإعفاء أي وزير قومي أو وزير دولة، مع القيام بأية مهام أخرى يكلفه بها رئيس الجمهورية.

5. من هو الفريق أول بكري حسن صالح؟

ولد في شمال السودان مدينة دنقلا في العام 1949 دخل الكلية الحربية الدفعة 24 وتخرج برتبة ملازم في سلاح المظلات (ينتمي إليه البشير أيضًا) وعمل في عدة مواقع في مختلف ولايات السودان خاصة في حرب الجنوب، وشارك في الإعداد والتخطيط لانقلاب الإنقاذ في 30 يونيو 1989 وظل الوحيد من مجلس قيادة الثورة لم يخرج من دائرة الحكم والأحداث أمسك فيها بعدة ملفات بدءًا من جهاز الأمن والمخابرات الوطني في البدايات الأولى للانقلاب، ثم وزارة الداخلية والدفاع، وأخيرًا وزارة رئاسة الجمهورية التي عين بعدها نائبًا للرئيس كما أسلفنا.

لماذا بكري حسن صالح؟

1. بدا أن هناك اتجاهًا واضحًا لعودة البشير لمؤسسته العسكرية فقد عين رئيس الأركان السابق الفريق عصمت عبد الرحمن وزيرًا للداخلية وصديقه عبد الرحيم محمد حسين واليًا لولاية الخرطوم، وبدا واضحًا أنه فقد الثقة في رجالات حزبه فالبشير الذي صرح قبل عدة أيام بأنه مل من الرئاسة من الواضح أنه يجهز لخليفته الذي بالضرورة سيكون ابن المؤسسة العسكرية فقد لمح أكثر من مرة أنه لن يترشح في العام 2019.

2. لذلك يبدو جليًا أنه يجهز بكري لخلافته على رئاسة الحزب والدولة، فالبشير الذي شاهد كيف أن تلاميذ الترابي أطاحوا به يخاف أن تتم الإطاحة به وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية التي تطالب برأسه متهمة إياه بارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور غربي السودان.

3. بعد أن تقرر أن منصب رئيس الوزراء سيكون من نصيب الحزب الحاكم المؤتمر الوطني ولأن كثيرًا من شبهات فساد حامت حول كثير من الذين دخلوا دائرة الترشيح من صقور الحزب، تظل صحيفة بكري هي الأنظف ويعتبر وجهًا مقبولًا لدى الشارع السوداني.

ما هي المفاجآت التي حملها اختيار بكري؟

هو نائب الرئيس الذي يعتبر منصبًا أعلى من منصب رئيس الوزراء لكن المفاجأة أنه جمع بين المنصبين.

الأحزاب المشاركة في الحوار كانت تمني نفسها بهذا المنصب، ومنها المؤتمر الشعبي حزب الترابي الذي توفي العام الماضي وكان من المتحمسين للحوار فهم يتشاركون في الأيديولوجية الإسلامية الإخوانية.

مفاجأة داخل الحزب الحاكم نفسه لأن اختيار بكري لم يكن متوقعًا حتى داخل الحزب فالبشير من اختاره ووافق المكتب القيادي للوطني ولا يخفى أيضًا أن هناك مجموعات كبيرة ومراكز قوى داخل الحزب لا ترتاح له وسبق أن حاولت إبعاده.

ثار جدل قانوني ودستوري حول مسألة الجمع بين منصبين بعد تغيير النظام من رئاسي إلى مختلط.

حقائق التاريخ الكبرى تشير إلى أن العسكريين في معظم الأحايين، إن لم يكن كلها، يميلون لأصحاب الولاء أو بمن يثقون؛ فصدام حسين لم يجد أفضل من عزة الدوري لينوب عنه وعبد الناصر ذهب ببصره إلى حيث أنور السادات الذي لم يعارضه ولو بكلمة واحدة طيلة فترة حكمه على الإطلاق، وغيرهم. وتذهب حقائق التاريخ أيضًا أن أولئك النواب أو رجال الصف الثاني لا يتمتعون بشيء كثير من ثقة من حولهم فيما يلي قدرتهم على إدارة الأمور إن آلت إليهم لكنهم يفاجئون الجميع بغير المتوقع، فالسادات كتب عليه أن يتحمل وزر نكسة 1967م وتحملها بشجاعة بعد رحيل عبد الناصر وعبر بالجيش المصري خط بارليف المنيع في أكتوبر 1973م وعزة الدوري لا يزال يقود مقاومة شرسة بالعراق ويعد الوحيد بين رجال صدام الذي لم يتمكن الأمريكان من إلقاء القبض عليهم. فماذا سيصنع بكري ذو القوام الفارع والجسد الرياضي؟ 

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

بكري حسن صالح.. جنرال بنصف إبتسامة
عرض التعليقات
تحميل المزيد