تشهد المدارس المغربية هذه الأيام شللًا تامًا؛ هذه المرة ليس بفعل إضراب المدرسين بمختلف المراحل التعليمية فحسب، وإنما أضيف إليها تلاميذ المدارس أيضًا؛ تلاميذ لم يتوقعوا أن تقدم الأجهزة الأمنية على قمع أساتذتهم بتلك الصورة الوحشية، ولم يستطيعوا تَقَبُّل الصورة الحاطة من كرامة المدرس، والمشوهة لصورة المدرسة المغربية، حيث أظهرت المدرسين وهم يتعرضون لصنوف من الضرب، والقمع، والتنكيل، على مرأى ومسمع من كاميرات الصحافة، ونشطاء التواصل الاجتماعي، خلال تدخل أمني يومي 16 و17 مارس (آذار) الجاري، فقرروا مقاطعة الدروس والخروج في مظاهرات تضامنًا مع أساتذتهم، وتنديدًا بالسياسات اللامسؤولة التي تنتهجها الحكومة المغربية في التعاطي مع ملف التعليم، وملف الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد خاصة.

إن ما يشهده قطاع التعليم في المغرب، وما تتعرض له احتاجاجات الأطر التربوية اليوم، ينبئ عن مدى التردي الذي تشهده البلاد في مجال حقوق الإنسان في الآونة الأخيرة، وأن الدولة بأجهزتها البوليسية بدأت في التغول من جديد، وما القمع الهمجي للأساتذة الذي خلف إصابات خطيرة في صفوفهم، وما تسليط بلطجية وشبيحة من خارج الأجهزة الأمنية عليهم علانية وأمام أنظار المسؤولين الأمنيين، وتحرش هؤلاء البلطجية بالمعلمات، لفظيًا وجسديًا، وصمت الحكومة وعدم إبدائها أي ردة فعل أو تنديد؛ إلا أبرز دليل على ذلك التردي الحقوقي الخطير.

مطالب الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد هي مطالب وطنية يحملها كل مواطن غيور على بلده؛ وهي الترسيم في الوظيفة العمومية بما يضمن العمل في ظروف إنسانية، والمطالبة بتعليم شعبي ديمقراطي مجاني لجميع أبناء الوطن، المفروض أن يتم الاستماع لهم والشد على أيديهم، لكن الذين يضمرون السوء لهذا الوطن، ويرهنون حاضر أبنائه ومستقبلهم بالجهات الخارجية لم يستطيعوا سماع مطالب أولئك الأساتذة، لم يتحملوا هتافاتهم السلمية في شوارع العاصمة الرباط، هؤلاء من المسؤولين للأسف لا يهتمون لواقع التعليم ولا مستقبله، فأولادهم يدرسون في مدارس البعثات الفرنسية، وسيكملون تعليمهم الجامعي في معاهد وجامعات فرنسية وغربية، ثم سيعودون ليكملوا ما بدأه آباؤهم من مسلسل التبعية للخارج، أما الوطن فينزف كما نزف أبناؤه؛ ينزف فقرًا وفوارق، وينزف هجرة وأدمغة، وينزف يأسًا وينزف مستقبلًا.

وما انتشار وسم «احموا المدرسين في المغرب»؛ والذي أطلقه ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي حتى تصدر الترند في المغرب، إلا دليلًا على حجم التعاطف الشعبي مع الأساتذة المعنفين، وفي نفس الوقت هو تعبير عن مدى السخط الشعبي من الارتجالية التي يدبر بها قطاع التعليم، فالمواطن وبخاصة التلاميذ هم ضحية هذا التخبط والعشوائية في تدبير هذا القطاع الحيوي، الذي لا تحرك فيه الحكومة ساكنًا؛ فلم تخرج ولو ببيان أو تظهر أسى على ضياع الزمن المدرسي الذي يعول عليه في تغيير وتطوير مستقبل البلدان التي تحترم شعوبها، أو تدعو إلى حوار جاد بغية حل مشاكل القطاع، بل تتملص تباعًا من أي اتفاقات سابقة.

ما تعرض له الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد ساهم في توحيد مطالب الأسرة التعليمية في المغرب، ففي شهر واحد شهدنا إضافة إلى ذلك قمع احتجاجات لشرائح عدة من موظفي التعليم؛ حيث قمعت وقفة احتجاجية لأطر الإدارة التربوية، ومسيرة للأساتذة من حملة الشهادات العليا، احتجاجات كانت سببها تملص الوزارة الوصية من تعهداتها السابقة في جلسات الحوار الاجتماعي، ما ينبئ أن الوضع بات ينحو منحىً خطيرًا ينبغي على العقلاء من أصحاب القرار في الحكومة التدخل العاجل وإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى من كرامة ودور للمدرسة المغربية، ومن هذا المنبر أقول لهم رجاءً «احموا المدرسين في المغرب».

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد