إن دراسة أية ظاهرة في حقل العلوم السياسية أو العلاقات الدولية يتطلب إختيار مستوى تحليل مناسب وهذا لضمان تحليل وتفسير صحيح وللحصول على نتيجة يمكن تعميمها نسبيًا.

فمستويات التحليل هي الأساس لبداية اي بحث أو مقال، وعلى الرغم من غيابها ظاهريًا في محتوى الدراسات إلى أنها تلعب دور كبير في ترتيب الأفكار والاستخدام الجيد للمعلومات.

ولكن هل يمكن إسقاط مستويات التحليل على كل الظواهر؟

حيث تتنوع وتختلف الظواهر السياسية وخاصة في حقل العلاقات الدولية ولكن بما أن متلازمة السلم والحرب هي لب العلاقات الدولية.

سنتناول في هذا المقال موضوع الحرب بالوكالة بطريقة مختلفة.

هي تلك الحرب التي تقوم بين مجموعات أو دول صغيرة يمثل كل منها مصالح قوى أخرى أكبر، وقد تحصل الدول الصغيرة على المساعدة والدعم من هذه القوى الكبرى وفي تعريف آخر تحدث الحرب بالوكالة عندما تحرض قوة عظمى أو تلعب دورًا رئيسًا في دعم وتوجيه طرف إلى نزاع، ولكنها لا تقوم إلا بجزء صغير من القتال الفعلي.

ويرى الباحث دانيال بايمان – وهو أستاذ بمركز بروكينغز لسياسة الشرق الأوسط – أن الحرب بالوكالة غالبًا ما تعد بالضرب على الوتر السياسي الحساس عبر القيام بأقل التكاليف أو أعلاها.

ولكن هل يمكن دراسة الحرب بالوكالة وفق المستويات الثلاث (المستوى الفردي، المستوى الوطني، والمستوى النظمي)؟

المستوى الأول وهو مستوى التحليل الفردي ويكون التحليل وفق الاعتماد على الطبيعة البشرية والإنسانية للشخص وفي العلاقات الدولية هو تحليل المخرجات والقرارات على أساس دراسة شخصية صانع القرار.

ولكن في هذا المقال لا نريد تحليل شخصية صانع القرار وتأثيره وتسييره للحرب بالوكالة، بل كيف يتم إستخدام الفرد كأداة لشن الحروب بالوكالة.

وبداية مع الجوسسة، والجاسوس هو الشخص الذي يعمل في الخفاء أو تحت شعار كاذب ليحصل على معلومات عن العمليات العسكرية لدولة محاربة بهدف إيصالها للعدو، فهم يعملون في وقت الحرب والسلم ويحصلون على معلومات لتعزيز جبهة الدولة التي يتجسسون لحسابها، في حالة نشوب حرب جديدة في الحصول على معلومات عن تطور الأسلحة الحربية في الدول الأخرى وما وصلت إليه من تكنولوجيا حديثة، ومن اجل تقوية الصراع القائم بين الدول على القواعد الإستراتيجية والسيطرة على مناطق النفوذ، والاستفادة من الاضطرابات السياسية في بقاع العالم.

وعلى الرغم من التاريخ الطويل والقديم لحروب بالوكالة إلا أنها كانت شائعة بشكل كبير في الحرب الباردة لأن الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة لم تشأ أن تحارب بشكل مباشر فأستخدمت كل الوسائل الممكنة ما عاده المواجهة المباشرة ومن بينها الجوسسة والتي يمكن تصنيفها كحرب باردة تكون داخل دولة العدوة وعن طريق تجنيد لفرد أو مجموعة أفراد.

وكان هارولد كيم فيلبي يمثل على الأرجح نموذج العميل المزدوج الكلاسيكي لفترة الحرب الباردة. إذ جنَّدته المخابرات السوفيتية حين كان لا يزال طالبًا في جامعة كامبريدج في الثلاثينات، واستمر منذ ذلك الوقت في التجسس لصالح الروس لمدة عقود.

وبعد أن أصبح فيلبي صحافيًا في أواخر الثلاثينات، استغل علاقاته الأسرية المرموقة للدخول إلى جهاز الاستخبارات البريطاني السري (MI6)، وذلك في بداية الحرب العالمية الثانية. وفي الوقت الذي كان يتجسس فيه على النازيين، كان يزود السوفيت أيضًا بمعلومات.

وبعد انتهاء الحرب، استمر فيلبي في العمل جاسوسًا لصالح الاتحاد السوفيتي، كاشفًا لهم أدق الأسرار عن جهاز الاستخبارات البريطاني السري (MI6). وبفضل صداقته المقربة من المسؤول الاستخباراتي الأمريكي جيمس أنغلتون من وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA، يعتقد أن فيلبي زود السوفييت بأسرار دقيقة جدًا حول المخابرات الأمريكية في أواخر الأربعينات.

وعند الانتقال للمستوى الثاني وهو المستوى الوطني نجد تداخلًا مع المستوى النظمي حيث من الممكن إسقاط الحرب بالوكالة على الجماعات والتنظيمات التي تصنف تحت الدولة والتي يتم تجنيدها أو تمويلها خارجيا لأغراض كثيرة تصب في مصلحة القوى الكبرى أو يمكن إسقاطها على الدول الصغيرة أو النامية والتي يتم استغلالها وتجنيدها لتحقيق مصالح القوى الكبرى.

ومن أقرب الأمثلة هو التدخل الروسي في ليبيا عن طريق مرتزقة شركة فاغنر العسكرية حيث اشار تقرير للأمم المتحدة عن وجود ما يصل إلى 1200 عنصر من شركة فاغنرو يشير الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيميونوف، إلى أن روسيا لم تنفِ يومًا وجود شركات عسكرية روسية على الأرض في ليبيا، مرجحًا حصول هذه الشركات على مكافآت مالية سخية من رعاة حفتر الخلجيين. ويقول سيميونوف في حديث لـالعربي الجديد: لا تنفي موسكو وجود المرتزقة في ليبيا، لكن المسألة تكمن في من يوفّر التمويل لهم، وهناك خيوط تقود إلى الإمارات. ولولا هذا التمويل، لما ذهب المرتزقة الروس إلى ليبيا.

بالإضافة إلى الأخبار والتقارير التي تُتَهم فيها قطر بتمويل المتطرفين حيث أصبحت تلقب ب منبع لا ينضب لتمويل المتطرفين.. هكذا هو النظام القطري

وكشفت منظمات حقوقية وأممية عن طريق وثائق مسربة وأسلحة مضبوطة وغيرها، عن انتهاك صريح لقرار مجلس الأمن رقم 1373 لعام 2001، ولجنة مكافحة الإرهاب الدولية المنبثقة عنه، والذي يلزم جميع الدول بمنع وقمع تمويل الأعمال الإرهابية، والامتناع عن تقديم أي شكل من أشكال الدعم الصريح أو الضمني إلى الكيانات أو الأشخاص الضالعين في أعمال إرهابية.

ورصدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان فرع ليبيا، استمرار قطر في دعم وتمويل الإرهاب، شمل رحلات لطائرات عسكرية قطرية إلى الجنوب الليبي مع توافر أدلة تفيد بدعم السلطات القطرية لتنظيم الإخوان الإرهابي والمليشيات المسلحة التي تسيطر على العاصمة طرابلس ومدن في الغرب.

وفي مثال آخر حرب الكونغو الثانية والتي تعتبر أكبر حرب بالوكالة منذ نهاية الحرب الباردة، حيث استخدمت حكومات الكونغو الديمقراطية، وأوغندا، ورواندا أطرافًا أخرى مسلحة غير نظامية للقتال نيابة عنها.

كل هذه الأمثلة توضح الحرب بالوكالة عن طريق استخدام جماعات تحت الدولة ومنظمات ارهابية لزعزعت النظام الداخلي للدول ولخدمة مصالح القوى الكبرى.

تستخدم الدول الوكلاء لأسباب عديدة غالبًا ما تكون المشكلة هي التكلفة: فالقوات الوكيلة تقاتل، وتموت، حتى لا تضطر القوى الكبرى إلى ذلك.

وفي الأغلب تكون محلية أو تكون في المستوى الوطني، لأنها تكون (على الرغم من أنها ليست دائمًا) مقبولة بشكل أكبر من قبل المجتمعات المستهدفة، ويمكنها أن تحصل على معلومات استخبارية من المجتمعات بشكل أفضل من خلال الاعتماد على الروابط المجتمعية والمعرفة الثقافية واللغة المشتركة، وتكون أقل احتمالًا لتعزيز النعرات القومية. رد الفعل العنيف الذي غالبًا ما يصاحب التدخلات الأجنبية.

إن الحروب بالوكالة هي في الغالب فاسدة، متوحشة وغير كفؤة. مثلما تسعد الدول الراعية بالقتال حتى آخر عضو في المجموعة التي تعمل بالوكالة، فإن العديد من الوكلاء يسعدهم أيضًا استلام الأموال الخاصة بهم في حين لا يقدمون الكثير في المقابل.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

تحميل المزيد