نحن نربي الكلاب لأن فيها صفة الوفاء، فالكلب لا يمكن أبدًا أن يكون خائنًا، ليس فقط لأنك توفر له الطعام ولكن لأن الوفاء متأصل في طبيعته، فهو على استعداد دائم لأن يضحي من أجلك ومن أجل أصدقائك بحياته دون أدنى تردد. والوفاء صفة يحبها الإنسان ويقدرها عن غيرها من الصفات وذلك لندرتها حتى بين أفراد الأسرة الواحدة، فالكلب يضعك إذًا أمام حقيقة مفادها أنه أوفى إليك من الجميع وربما من نفسك، ولأن الإنسان يميل غالبًا إلى إعطاء مقابل عن الأشياء الصادقة التي يحصل عليها فإنه يمنح الكلب رعاية قد تفوق رعايته لأقرب أقربائه.

ولكن القطط ليست كذلك، فليست فقط غير وفية ولكنها أيضًا مضرب للأمثال في عدم الوفاء والنكران. فبمجرد أن تحصل على حاجتها من الطعام تجدها تبتعد لتشبع حاجتها التالية وهي النوم، وربما تقترب منك القطط الصغيرة محاولة إيجاد نوع من التسلية واللعب، وهي تشاركك ذلك إذا كنت المصدر الوحيد المتاح وقتئذ، وهي تفعل ذلك لأنها تريد ذلك ليس لأنها تحبك، وحتى احتكاكها بقدميك وملابسك ما هو إلا وسيلة لإخبار الأخريات أنك مصدرها المعيشي والغذائي وأنه لا يجب عليهن استخدامك لتوفير احتياجاتهن. والقطة لذلك تتخلى عنك إذا وجدت مصادر معيشية أخرى، كسلة قمامة عامرة أو مُربٍّ آخر أكثر سخاءً. فما الذي يمكن إذًا أن يميز القطط! فهي كسولة محدودة الذكاء والعاطفة لصة وجبانة منعدمة المنافع إذا ما قارناها مثلًا بالكلاب.

ربما يكمن السبب في تفضيل تربية القطط عن حيوانات أخرى أنها قليلة التكلفة من حيث ثمن شرائها وإطعامها، وأنها صغيرة لا تشغل حيزًا معتبرًا من المكان، ولا يمكن أن تُحدث فوضى أو تتسبب في مشكلة مع الجيران، وفوق ذلك أنها إذا ما دُربت تكون أكثر الحيوانات نظافة وأقلها نقلًا للأمراض نظرًا لارتفاع مناعتها. لكن أسبابًا أخرى أعمق تدفعنا لاقتناء القطط وتفضيل تربيتها عن غيرها من الحيوانات. يقول فرويد: «سحر الطفل يكمن لحد كبير في نرجسيته واكتفائه الذاتي، ولعدم القدرة على بلوغه أو التأثير فيه أو الحصول عليه، تمامًا كبعض الحيوانات التي لا تكترث بنا كالقطط، فنحن نحسدهم لقدرتهم على الاحتفاظ بحالة نفسية مكتفية ذاتيًا، حالة لبيدو حصينة كنا نمتلكها ذات يوم». فالرغبة في تربية القطط إذًا تعكس الحاجة إلى الاكتفاء الذاتي والذي يمكن أن نسميه الترفع الجبري عن العاطفة، ذلك لأن القطط غير مكترثة بعطف الآخرين إذا وجد أو لم يوجد، فهي مستقرة عاطفيًا ومكتفية في كل الأحوال بحيث لا تزيدها تلك العاطفة أو تنقصها شيئًا يذكر، والحال إذًا أنك تريد أن تصل إلى تلك الحالة التي عليها قطتك، وأنت لا ترغب في بلوغ تلك الحالة – الترفع الجبري عن العاطفة – إلا إذا كنت في الأساس محرومًا من العاطفة وفي الوقت ذاته لا تستطيع أن تستغني عنها، أي أنك داخليًا في حاجة شديدة إليها ولأن الطريق إليها متعذر فإنك تحاول – ليس بلوغها – ولكن القضاء عليها في شعورك.

والمرأة أحوج لتلك الرغبة – الترفع العاطفي – عن الرجل؛ فهي في أكثر حاجة إلى الشعور بالعاطفة، وهي بالتبعية في حاجة أكثر إلى ذلك الترفع للقضاء على حاجتها الداخلية للعاطفة، لذلك فالمرأة تفضل تربية القطة عن غيرها من كل الحيوانات لأنها الأقدر على منحها ذلك الشعور – الترفع العاطفي – لتستطيع الوصول إلى الاستقرار النفسي كما القطة تمامًا. بعكس الرجل الذي يميل إلى تربية الكلاب عن القطط، فالرجل أقل حاجة من المرأة للعاطفة من جهة ومن جهة أخرى أشد حاجة للصداقة، يكمن ذلك في ميل الرجل للاعتماد المتبادل في حين تميل المرأة للاعتماد أحادي الجانب، حيث تعتمد كليةً على الرجل إلا إذا أحوجتها الظروف إلى غير ذلك، نلحظ ذلك في اعتماد الزوجة على ثروة زوجها بينما يأبى الضمير الجمعي للرجال ذلك ويعتبر فاعله منتقص الرجولة في أكثر الأحوال. لذلك فالرجل الذي يربي قطة هو حسب القاعدة في حاجة إلى العاطفة والتي يحاول التغلب عليها باكتساب شعور الترفع العاطفي، وهو يفعل ذلك أحيانًا ليس لنقص مصادر العاطفة ولكن لإحساس الضعف الذي يرافقها.

فالقطة إذًا تمنح مربيتها مشاعر من النرجسية والترفع العاطفي هي في أمس الحاجة إليها، ويحدث ذلك الاكتساب ليس بالمحاكاة الواعية لتصرف القطة ولكن من خلال الفعل ورد الفعل تجاه تصرف القطة ورد فعلها على تصرفات المربية في حالة أسميها المبارزة النفسية. لذلك فإن الفشل في اكتساب تلك الصفات من القطة – والحال مماثلة بالنسبة لكل الحيوانات – يُخرج المبارزة النفسية إلى حالة مادية تأخذ سلوكًا عدوانيًا ساديًا تجاه الحيوان، وذلك من باب إذا كنت أفضل مني فلا تستحق سوى احتقاري، وهو في حقيقته احتقار للذات حيث يصبح ذلك الحيوان شاهدًا ماثلًا أمام عينيه يمثل ضعفه، فيكون عقاب الحيوان هو مجرد عقاب للذات على أنها لم تستطع أن تكون ما يجب أن تكونه، أن تتجرد من الحاجة للعاطفة كما القطة، ويحدث ذلك بتجنب الحيوان أو تجويعه أو حبسه وربما ضربه وقتله في النهاية، وفي ذلك الفرض الأخير -أي قتل الحيوان – فإن الفرد يكون على حافة الانهيار الاجتماعي، فقد يفكر في إيذاء – في أغلب الأحيان إيذاءً نفسيًا – من حرموه العاطفة التي لم يستطع التغلب عليها بالترفع عنها وعلم صراحةً – أثناء صراعه النفسي لقتل الحيوان – أنه لن يستطيع بلوغ ذلك الترفع.

لذلك يجب أن نحرص أولًا قبل اقتناء حيوان سواء لنا أو لأطفالنا أن نقف على مبعث تلك الرغبة، فربما يتعدى الأمر الحاجة إلى التسلية أو التقليد إلى ما هو أعمق بكثير، حيث يكون الحيوان موضوع معالجة نفسية خاطئة من حيث موضوعها وفلسفتها، فمن جهة الحيوان ليس وسيلة لمعالجة أنفسنا وسد حاجاتنا خصوصًا العاطفية، ومن جهة ثانية معالجة مشاعرنا لا تكون بتحويل أنفسنا إلى أدوات جامدة منعدمة القدرة على الشعور. ولنفترض أن مربية القطة استطاعت الوصول فعلًا إلى حالة الترفع العاطفي لانعدام مصادرها، فما هو الحال إذا وجد مصدر جديد فياض بالعاطفة كزوج يريد على الأقل أن تستشعر زوجته تلك المشاعر التي يكنّها لها ويغدقها عليها لكنها تمتلك مناعة ضد ذلك! أيضًا حين يتعلق الأمر بأطفالنا يجب أن نقف على حقيقة رغبتهم ونراقب دائمًا تفاعلاتهم مع الحيوانات، وأن نأخذ الأمر على محمل الجد حين يؤذي الطفل حيوانًا أو يرغب في التخلي عنه أو استبدال نوع آخر به.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

القطط
عرض التعليقات
تحميل المزيد