أولا: مفهوم العلاقات العامة في الإسلام

تعالوا بنا ننهل من منبع الإسلام العذب ما يُطرب آذاننا ويجلوا أفهامنا ويصحح خطواتنا في قضية العلاقات العامة.

بعد دراسة متأنية أتاحتها لي ظروف نشأتي الخاصة في بيت لوالد يحفظ كتاب الله وعالم من علماء الأزهر الشريف في مصر ووكيل لوزارة الأوقاف بمدينة السويس في التسعينيات، الشيخ عبد الفتاح عيسى رحمه الله، فقد أتاحت لي هذه النشأة أن أنهل من العلم وكتب التفسير منذ نعومة أظافري، فأذكر أنني كنت لا أستطيع أن أحمل المجلدات التي كنت أقرأ فيها، فكان رحمه الله يحملها لي، فمن خلال هذه المعرفة عن قرب للتفسير والحديث، فإن العلاقات العامة كقضية ظهرت معالمها في مواضع عدة طبقا للمنظور الإسلامي كما يأتي:

  1. الدعوة إلى الله: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) سورة يوسف، آية 108.
  2. التعاون على البر والتقوى: (وتعاونوا على البر والتقوى) سورة المائدة، آية 2.
  3. قول الحسنى: (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن، إن الشيطان ينزغ بينهم) سورة الإسراء، آية 53.
  4. فعل الخير: (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) سورة الحج، آية 77.
  5. النصيحة: عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه وأرضاه قال: (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم) متفق عليه.

وهناك الكثير من المواضع التي تُلمح لشكل من أشكال العلاقات العامة، ولكن اكتفينا بما سردناه نظرًا لقوة معناه و نستطيع أن نخلُص إلى حقيقة هامة وهي أن العلاقات العامة من المنظور الإسلامي هي الدعوة للخير عامة في المجمل وإلى الله وعبادته على وجه الخصوص، وذلك من خلال محاور العلاقات العامة الثلاثة التي لا تخلو قضية علاقات عامة منها أبدًا وهي (إعلام – إقناع – تكيف)

ودعونا نضع تعريفًا للعلاقات العامة من المنظور الإسلامي.

العلاقات العامة هي: “دعوة الجمهور للإيمان بقضية ما وتغذيتها بالثقة والصراحة لتثمر الإخلاص عند المنافسة والوفاء عند الأزمات”.

إن أهم ما يمكن أن يقدمه أي جمهور لمؤسسة ما، أمران خطيران وهما:

  1. الإخلاص عند المنافسة: أن تستطيع المؤسسة الوصول بجمهورها أن يُخلص لها وينتمي لها، عند منافستها من قبل مؤسسات أخرى فهذا يمثل قوة لا يمكن أن تقدر بمال.
  2. الوفاء عند الأزمات: أن تعتري المؤسسة أزمات عصيبة وتمر بظروف طاحنة، ويظل جمهورها وفيًّا لها فهذا أيضًا يمثل نجاحًا منقطع النظير من جهاز العلاقات العامة بهذه المؤسسة والذي استطاع أن يصل بجمهورها من خلال برامجه الاتصالية والإقناعية إلى هذه الدرجة من الولاء والانتماء.

هذا بالضبط ما أسس له الإسلام من خلال أعضاء جهاز العلاقات العامة الخاص به إن صح القول ممثلًا في النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام الأطهار.

وإذا أرادت أي دولة أو مؤسسة أن تجني نفس الثمار، وهو تكوين جمهور مخلص وفي، مخلص عند المنافسة ووفي عند الأزمات والنكبات، فعليها أن تتبع ما يتم شرحه من قواعد ورؤى جديدة بين يدي هذا البحث في العلاقات العامة من المنظور الإسلامي.

إن قضية العلاقات العامة من منظور إسلامي تتمثل عندي في آيتين من كتاب الله وهما:

الآية الأولى: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني)

الآية الثانية: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به، ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، لعلمه الذين يستنبطونه منهم)

وإذا تأملنا قوله تعالى (الذين يستنبطونه منهم) أليست فيه إشارة خفية لما تقوم به أجهزة العلاقات العامة من جمع المعلومات والتحليل والاستنتاج أو الاستنباط ثم عمل الخطة المناسبة للحدث أو الموقف ثم التنفيذ ثم التقييم والمتابعة.

أعتقد أنك توافقني الرأي، وإلا فما الحكمة من قوله (الذين يستنبطونه منهم) بعد قوله تعالى (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم) وهذا ما يتفق مع تعريف “كندال” لعملية العلاقات العامة على أنها نسق دفاعي وجهاز أمن وقائي للمؤسسات ضد كافة أشكال النقد والهجوم الذي قد يمس مكانة المؤسسة.

ودعونا نشرع في شرح كيف تم بناء جهاز العلاقات العامة وفق المنظور الإسلامي في المقال القادم بإذن الله تعالى فانتظرونا.

 

 

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد