صدرت في السنوات الأخيرة في الأردن العديد من القرارات المتتالية غير المبررة بمنع النشر عن كل قضية تثير الرأي العام، وبعد أن تشغل كل قضية وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وحديث الناس لتتلاشى وتختفي فجأة عند صدور قرار منع النشر، فما موقع منع النشر من الإعراب في الدستور؟
حرية التعبير في الدستور الأردني
بالاطلاع على الدستور الأردني والبحث عن الحقوق الدستورية التي منحها للإعلام نجد في المادة 3 من قانون المطبوعات والنشر:
«الصحافة والطباعة حرتان وحرية الرأي مكفولة لكل أردني وله أن يعرب عن رأيه بحرية بالقول والكتابة والتصوير والرسم وغيرها من وسائل التعبير والإعلام بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون».
كما جاء أيضًا في المادة 39 من قانون المطبوعات والنشر:
«يحظر على المطبوعة الصحفية نشر محاضر التحقيق المتعلقة بأي قضية قبل إحالتها إلى المحكمة المختصة إلا إذا أجازت النيابة العامة ذلك».
كما نجد في أغلب المواد القانونية كلمات مثل «القانون يكفل»، «ضمن حدود القانون» ونجد في المادة 39 أن حظر النشر ينحصر في ما يدخل بالتحقيق وليس بالتعبير عن القضايا ومعطيات الرأي العام حولها.
إذًا لماذا لا يحاسب القانون كل من يتعداه بحرية الرأي بدلًا من التضييق الكامل والرقابة المسبقة وإذا كانت مواقع التواصل الاجتماعي تساعد على نشر الإشاعة والأحكام المسبقة، فعلى أي أساس يتم دمج وسائل الإعلام والصحافيين بقرار منع النشر مع مواقع التواصل، ومن أبرز حقوقها الحصول على المعلومات وتوصيلها للمواطن، فأي دستور الذي يسمح بإلغاء أساس وجودها وعرقلة عملها؟
وبالنظر إلى عدد القضايا التي منع النشر فيها لا نجد أنها قضية أو قضيتان، بل تجاوزت ذلك لدرجة جعلت الناس تنتظر قرار منع النشر في كل قضية تثير الجدل وكأنها طريقة لتكميم الأفواه وكسر الأقلام وحجب المعلومات عن المجتمع.
لكن هل يختلف الوضع والدولة في حالة إعلان قانون الطوارئ؟ بحسب المادة 15 من الدستور الأردني:
«يجوز في حالة إعلان الأحكام العرفية أو الطوارئ أن يفرض القانون على الصحف والنشرات والمؤلفات ووسائل الإعلام والاتصال رقابة محدودة في الأمور التي تتصل بالسلامة العامة وأغراض الدفاع المدني ».
لم نجد في هذا القانون جملة صريحة تبين الحق للسلطات في حالة إعلان الطوارئ بمنع النشر بل بالرقابة المحدودة وحصرها بحالة إعلان الطوارئ والأحكام العرفية، مما يعطينا صورة واضحة أن هذه القرارت تخالف ما جاء به الدستور من حقوق منحها للمواطن.
أزمة الثقة بين الاعلام والجمهور:
إن هذه القرارات ستمنح الحق للوسائل الإعلامية الخارجية بالحديث عن قضايا الأردن التي الأولى أن يحصل المواطن على أخبارها من وسائلها الإعلامية، بدلًا من اللجوء لوسائل إعلام أجنبية تحصل على ثقة المواطن الأردني مهما كانت أخبارها تحتمل التزييف، ولن تستطيع الدولة محاسبتها ومنعها مع وسائلها فما الفائدة من منع النشر هنا غير إضعاف ثقة الشعب بالدولة والتضييق على حرية الرأي والتعبير الذي يعد من أبرز صور الديمقراطية بالمملكة.
فهل العلاقة بين الإعلام الحكومي والمواطن أصبحت مجرد منصات للإعلانات والترويج للسلطة بدلًا من البحث عن الحقيقة؟
يجيبنا عضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، خالد القضاة، بأن هذا وصف دقيق للواقع؛ لأن قرارات منع النشر تضع الصحافيين والقنوات المحلية خارج ميدان القضايا وتعطي هذا الحق لصحافيين في وسائل إعلامية أجنبية لأن هذا القانون لا يشملهم؛ مما يدفع المواطن للذهاب لوسائل إعلامية دولية، وهذا معيب لدولة عمرها مئة عام، وممكن أن ينشر أخبارًا وإشاعات مسبقة عن الأحداث.
كما أن سوء الاستخدام لهذه القوانين والتوسع في وجودها المشروع لحماية الضحايا فقط، فيه مساس مباشر لحق تلقي المعلومات ويتعارض مع المادة 128 وسلب لحقوق الأردنيين التي ضمنها الدستور لهم، وتنص المادة 128 من الدستور الأردني على أنه «لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس بمساسها».
ويرى القضاة فيما يخص اللجوء للرقابة المسبقة على النشر بأنها حل للإشاعات التي تثار حول قضايا الرأي العام.
بأن ما يحدث هو معالجة الخطأ بالخطأ، والخطأ الأكبر هو عرقلة آلية تدفق المعلومات للجمهور وآلية من يملك توصيل هذه المعلومات وقرارات حظر النشر تمس بهذه الآلية، وحق الناس بالمعرفة وحق الجمهور بالاطلاع على الأحداث، والأولى نقل المعلومات من مصادرها الحقيقية مهما كانت درجة مرارتها، واللجوء لهذه القرارات لا يحمي الدولة، بل يضرها، ونشهد هذه الأضرار بذهاب الأردنيين لمعرفة أخبار دولتهم لمؤسسات أخرى.
كما يرى القضاة بأن الدولة يجب أن تكون واعية، لأن قرارات حظر النشر فيها خطر على المجتمعات ويجب النظر فيها فقط في القضايا الأسرية، وهذا الأصل فيها، وكذلك التوسع في تلك القرارات فيه إساءة للصحافيين وللمؤسسات الإعلامية بعدم دستوريتها ويجب الدعوة إلى قوانين جديدة تحصر قانون منع النشر.
بات غياب المعلومات والهوة بين الصورة الكاملة للأحداث وبين أخبار الصحافة المحلية واضح في الشارع الأردني، وعدم وصول المعلومات من مصادرها الحقيقة والتضييق على الحريات العامة تحديات تواجه الصحافيين بأهم مهامها التي تقوم على نقل الأخبار والآراء.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست