للسنة الثالثة على التوالي، يطل ويهل في رمضان البرنامج الشهير «قلبي اطمأن» والذي يُقدمه شاب يُدعى «غيث» لا يكشفُ عن وجهه ألبتة، وأما عن فكرة البرنامج فتقوم على إيصال المساعدات للمحتاجين والحالات الصعبة، بحيث تكون هذه المساعدات كفيلة بتغيير حياة المحتاج تمامًا، ونقله من حالة الفقر إلى حالة جيدة نوعًا ما.
وعلى غير العادة، وفي هذا العام.. تعالت الأصوات تجاه البرنامج ما بين مؤيد للفكرة وأنه برنامج إنساني جميل، وما بين رافض للفكرة بحجة أنَّ «الإمارات» تسعى لتبييض صورتها من خلال هذا البرنامج بطريقةٍ غير مباشرة.
حقيقة؛ لقد شاهدت المواسم الثلاثة لهذا البرنامج دون تفويت حلقة واحدة، وقرأت الكثير من الآراء المؤيدة والمعارضة.. وعلى وقع هذا وبكل حياد نستطيع أن نتحدث عن البرنامج وفق المحددات القادمة في هذا المقال.
بدايةً، البرنامج لم تكن فكرته يومًا أنَّ «غيث» شاب إماراتي ثري يقوم بتوزيع الأموال في سبيل الله، فالبرنامج واضح وضوح الشمس في هذه الجزئية.. فهو يقدم المساعدات من خلال الهلال الأحمر الإماراتي، وكذلك بيع منتجات «قلبي اطمأن» عبر المتجر الإلكتروني الخاص بهم، وكذلك من خلال المساعدات التي يُقدمها الناس عبر رسائل (sms)، وبناءً على ذلك، فالبرنامج ليس من جهد شخصي، إنما جهد جماعي مدروس تمامًا.
ثم في النقطة التالية.. وهي الأكثر غرابة.. أنَّ الكثير من الناس الذي ينتقدون برامج مساعدة الفقراء، ينصب انتقادهم دومًا على إظهار وجه الفقير وامتهان كرامته من أجل المساعدات.. لا من أجل ظهور المُتبرع! وفي برنامج «قلبي اطمأن» يظهر وجه الفقير، بل ومُدمن المخدرات تمامًا، ويُخفى وجه المُتبرع.. فلم ينتقد أحد هذه الجزئية! وهنا السؤال، لماذا حرام على كل البرامج الأخرى امتهان كرامة الفقير بإظهار وجهه وحلال على برنامج «قلبي اطمأن»؟
كذلك، فإنه من المعروف لكل متابع أن «الإمارات» وكذلك دول أخرى كـ”السعودية» تمنع تقديم التبرعات، سواء بشكل فردي أو مؤسساتي إلا بإشراف كامل من الدولة، ومن يُخالف ذلك يتعرض للمساءلة القانونية، وقد رأينا الكثير من حالات الاعتقال لأشخاص قدموا مساعدات وتبرعات رفضتها الدولة بالمطلق.. وهذا كذلك يدفعنا للقول إنَّ برنامج «غيث» الإماراتي يتم بتوجيه وإشراف من الدولة.. ولربما علينا أن نُلاحظ هنا أنَّ هنالك تغيرًا في أسلوب البرنامج ما بين موسمه الأول والثالث.. ففي الموسم الأول كانت المساعدات والتبرعات نوعًا ما محدودة، وبأشياء تقدر عليها مؤسسة مُعينة، وتوجهه في دول العالم الإسلامي.. في حين اختلف الأمر في الموسم الثالث، فأصبحت التبرعات لآلاف الأيتام والمحتاجين، وهو الأمر الذي لا تقدر عليه مؤسسة إنما هو جهد دولة، كذلك فإنَّ التوجه أصبح لدول إسلامية وغير إسلامية.. وديانات مختلفة تحت إطار وشعار أنَّ «الإنسانية تجمعنا».
وقد يقول البعض الآن: «ما لنا والداعم! إن كانت دولة أو مؤسسة، نحن يهمنا الهدف، والهدف هو مساعدة الفقراء وإخراجهم من حالة الفقر والضيق إلى سعة الحياة».
وعلى ذلك أقول ختامًا، البرنامج فكرته جميلة، لكن لا للكيل بمكيالين، فكما أحببتهم قلبي اطمأن – وأحبه معكم – الذي يُظهِر صور الفقراء.. أحِبّوا كل البرامج الأخرى التي تقدم العون وتُظهِر صورهم دون أن تقولوا أنَّ فيه امتهان كرامة..
أحِبوا غيث كما تشاءون وأحبه معكم، لكن لا تدعو الحُب يصل إلى النظام الإماراتي الذي يُجرِم في حق الشعوب ويقتل الآلاف من خلال دعمه الانقلابات والثورات المضادة.. فمساعدة بضع مئات من المحتاجين لن تغفر له قتله الآلاف من الناس!
أحبوا «قلبي اطمأن» كما تشاءون وأحبه معكم، لكن لا تصنعوا هالة التقديس له.. فمسألة إخفاء وجه المتبرع ليست أولوية في التبرع، فالأصل في الصداقة «ألا يتبعها أذى» وقد يكون إظهار صورة الفقير فيهِ أذى له، لكنه لا يتكلم لحاجته الماسة للمال والعون.. في حين إظهار وجه المتبرع ليس فيه أذى لأحد.
ستطمئِنُّ قلوبُنا لـ«قلبي اطمأن» من أجلِ الفقراء فقط، لكنها لن تطمئنَّ للإمارات أبدًا.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست