تتعددّ المفردات والهمّ واحد، من النكبة إلى النكسة مرورًا بحرق المسجد الأقصى، وصولًا إلى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة في 15 مايو (أيار)؛ باعتبارها دلالةً على رمزية هذا الحدث بالنسبة للعرب واليهود على حدٍّ سواء، في ضوء هذه المتغيرات لم تحد البرمجة الرمضانية الدرامية عن هذا الخط الساخن.
فتمَّ إنتاج برامج ضخمة تنتهج سياسة الكاميرا الخفية حول هذا الموضوع، اثنين في مصر، ولعلّ أكثرها إثارة للجدل البرنامج التونسي «شالوم»، الذي يُعرض على قناة تونسنا السابعة، السادسة والنصف بتوقيت غرينيتش، السابعة والنصف بتوقيت تونس، وتتمحور فكرة البرنامج حول دعوة ضيف وازن داخل الساحة العامة التونسية (ممثل، مغني، رياضي، سياسي … إلخ) على أساس لقاء تلفازي مع قناة أجنبية، ليُفاجَأ الضيف أنّه في قصر فخم ملك رجل دين يهودي حاخام، ومعه امرأة شقراء غربية الملامح، ورجال أمن مسلحين، لتبدأ عملية استدراج الضيف للتعامل مع إسرائيل، فيكون أمام امتحان عسير بين القبول أو الرفض.
من جانبه عبّر الكاتب والإعلامي «وليد الزريبي» معد برنامج «شالوم»، أنّ ما أحدثه البرنامج من ردّات فعل تفاوتت بين الدعم، لما فيه من فضح للعملاء والمطبّعين، وبين رافض له لما رأوا فيه من شبهة أجندة سياسية تخدم أطرافًا دون أطراف أخرى، يعتبر أمرًا عاديًا؛ لأنّه –حسب قوله– لا يمكن أن يحظى أي عمل إنساني بالرضا التام أو المطلق.
ونشير هنا، أنّنا في هذا المقال لا نسعى لمحاكمة البرنامج أو نية القائمين عليه، ولكن نحاول أن نقدّم مقاربة موضوعية تعتمد مقاييس عملية مستمدة من ظروف وإرهاصات البرنامج من خلال ثلاث أسئلة رئيسية.
أولًا- نطرح السؤال التالي: بعد أكثر من ستّة عقود من الصراع العربي الإسرائيلي، هل نحن في حاجة إلى كاميرا خفية لكشف المطبعين؟ ومهما كانت الإجابة فالمسألة في حدّ ذاتها قد أقحمت اسم إسرائيل بحسن نية أو بسوء نية على موائد إفطار الصائمين في تونس والوطن العربي، من متابعي برنامج «شالوم».
ومن هذه النقطة نطرح السؤال الثاني: في ظل هذا التخاذل العربي، وطعن القضية الفلسطينية في الظهر، هل ما زال التطبيع يُنظر إليه باعتباره فضيحة؟ للأمانة التاريخية لا نعتقد ذلك، فبعد ما يفعله النظام السعودي من تقرّب للكيان الصهيوني، وما تفعله الإمارات من تطبيع اقتصادي ورياضي، مرورًا بدعوة النظام البحريني إلى زيارة إسرائيل جهرًا، لا يمكن الحديث عن فضيحة بالمعنى الثوري للكلمة.
فهذه الأنظمة تنتهج سياسة «نظرية الصدمة»، ونعني بها صدم الرأي العام العربي، بمجموعة من القرارات والإجراءات والمواقف، في مدّة زمنية قصيرة دون السماح للعقل العربي بالتفكير؛ ومن هنا تعمل الصدمة على تطويع المزاج العام العربي والإسلامي، لتقبّل فكرة التعايش مع إسرائيل، وهذا ما نجحت فيه هذه الأنظمة إلى حدّ ما.
ولفت انتباهنا تعليق لإحدى المتابعات على الفيسبوك حيث قالت: 30 مرّة تكرر اسم إسرائيل في حلقة المناضل «عبد الرؤوف العيادي» رئيس حركة وفاء للثورة، فهل هذا أمر بريء؟
وهذا هو السؤال الثالث الذي نطرحه دون قراءة نوايا الأشخاص: هل فعلًا فكرة البرنامج بريئة؟ وقد استند داعمو فكرة هذا البرنامج إلى أنّ الوضع المخجل الذي تمر به الأمة في حاجة إلى مثل هذه الأعمال حتى تعرّي المطبعين والعملاء أمام شعوبهم.
في الجانب الآخر عزا آخرون تحفّظهم على برنامج «شالوم» لما لمسوا فيه من لعبة سياسية، ذات طابع لوجستي، تقوم على تقديم صورة ناصعة لبعض الأطراف المحسوبة على شقّ معين داخل المنظومة السياسية التونسية، في مقابل تشويه صورة المعارضين لهذه المنظومة.
هذا وقد أحدثت حلقة المناضل «عبد الرؤوف العيادي» موجة كبيرة من ردّات الفعل حول ما أسماه «العيادي» من مؤامرة تعرض لها، من معد البرنامج، حيث قال «العيادي» في فحوى شكواه التي رفعها للقضاء ضد «وليد الزريبي» مقدّم ومعد برنامج «شالوم»: «إنّه تعرّض للتهديد».
في الختام، وفي ظلّ الوضع العربي والإسلامي المثير للشفقة يأتي برنامج «شالوم» بصفته لوحة أخرى تعلّق على جدار الخيبة العربية، لتبقى حرّية قراءة هذه اللوحة بين من يراها لوحة ناصعة تفضح العملاء، أو لوحة مظلمة تخدم أجندة الجهات الداعمة للكيان الصهيوني، لكن مهما كانت الحقيقة {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست