كثيرًا ما نشاهد على شاشات التليفزيون ما يسمى ببرامج اكتشاف المواهب، وما يصابحها من ضجة إعلامية واهتمام شديد من الجميع كبيرًا وصغيرًا، مما دفعني لأن أتساءل أحيانًا: لماذا يحصرون الموهبة إما في الغناء أو الرقص أو التمثيل أو لعب الكرة أو أي شيء غير مفيد، وكأن هذا من شروط قبول الموهبة «ألا تكون مفيدة»، لماذا طالما لدينا كل هذه الإمكانيات الضخمة والتنظيم الرائع، لماذا لا نقيم مسابقات لعلوم الكيمياء أو الاختراعات الهندسية أو علوم الطب؟ لماذا لا نسلط الضوء على الكثير من الشباب العربي الذين ملأت اكتشافاتهم واختراعاتهم أدراج المسؤولين؟ لماذا لا يحظى البحث العلمي في بلداننا العربية بأي اهتمام؟ كل هذه التساؤلات لا بد أن تدور بأذهاننا عندما نشاهد هذه البرامج، التي لم تأت بأي فائدة على المجتمع العربي، بل بالعكس، إنها ثبطت عزائم الشباب وحصرت طموحاتهم في الغناء والرقص، وأبعدت اهتمامهم بالبحث العلمي فأصبحوا مجرد مستهلكين لما ينتجه ويتوصل إليه الغير، مما يجعلنا دائمًا في حاجه إليهم. لا بد من تغيير صورة القدوة عند شبابنا، لا بد من تكريم العلماء والباحثين والاهتمام بهم بدلاً من أن يكون كل الاهتمام والحفاوة بأهل الفن والكرة فقط. الشعوب العربية تمتلك الكثير والكثير من العقول الواعدة، لدينا شباب عنده الكثير من الأفكار، ولكن هو بحاجه لمن يدعمه ويسانده حتى ترى أفكاره النور ويفيد وطنه بأفكاره أو اختراعه أو اكتشافه.
نجد أحيانًا بعضًا من الشباب لديه فكرة مشروع مهمة جدًا، ولكن لا يجدون من يقدم لهم الدعم، وعلى صعيد آخر ترى الأموال تنفق ببذخ على المطربين والراقصين وتنهال عليهم الهدايا والعطاءات لماذا؟ إنهم لا يفيدون بشيء، لا ينتجون شيئًا، لا يساهمون في تطور أوطانهم ولا تنمية ثقافة شعوبهم، لماذا تسلط عليهم الأضواء دائمًا؟ لماذا يجعلون زهرة شباب العرب يقفون في طوابير مخجلة وزحام بغيض يتهافتون على إظهار ما يسمونه موهبة من غناء ورقص وأشياء كلها رخيصة ليس لها ثمن، المحزن أن ترى على شاشة القناة أخبارًا مؤسفة ومحزنة وموجعة عن سوريا أو فلسطين أو العراق، وبعدها مباشرة يذيعون أحد هذه البرامج في تناقض غريب عجيب، وكأن هذه الأخبار لا تعنينا، هؤلاء الناس الذين يموتون ليسوا منا، البلاد التي خربت وضاعت ومزقتها الحروب ليست بلادنا، يوحون إليك أن أهم شيء في الوقت الحالي هو من سيفوز في هذه الحلقة، كيف يعيش المتسابقون واستعراض كم الرفاهية التي يعيشها المتسابق خلال فترة البرنامج.
كل ذلك شيء وتأثير هذه البرامج في الشخصية العربية شيء آخر، فأحد هذه البرامج، ولا داعي لذكر اسمه، جل ما يدعو إليه هو الدياثة وقبول اختلاط الشباب من الجنسين بعضهم ببعض في مكان واحد لعدة أشهر، ودخولهم في علاقات مع بعضهم بعضًا وظهورهم أمام الكاميرات بجميع حالاتهم دون خجل، واضعين تعاليم الدين وقيمنا وتقاليدنا وعادتنا جانبًا، المخجل هنا أنك ترى الكثير من الناس يتعاطفون معهم ويتأثرون بهم، بل إنهم يحزنون عندما تفشل علاقة بين اثنين داخل البرنامج. فلا عجب بعد ذلك مما نراه في شوارعنا من قلة الحياء والجهر بالفاحشة وانتزاع النخوة من صدور الشباب، واختفاء الحياء والعفة في أخلاق البنات. في الحقيقة إننا إذا أردنا وطنًا قويًا متقدمً ومتطورًا وآمنًا لا بد من الاهتمام ببناء الشباب، وزرع حب العلم والتعلم والتطوير في نفوسهم، لا بد من تغيير شخصية القدوة، لا بد من تلميع العلماء والباحثين، لا بد من تبديل هذه البرامج الخاوية ببرامج أخرى تحدث عقول الشباب وليس غرائزهم، برامج تتنافس فيها العقول وليس الحناجر والطبول، اهتموا بعقول الشباب من أجل وطن أفضل.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست