كلما أثير طابو العنصرية ضد السود في المغرب، يتبعه جدال بين اعتبارها مجرد انزلاقات فردية ومعدودة، وبين اعتبارها ممارسة اجتماعية مطبعة. وبين هذا وذاك يغلب الطرح الذي ينفي العنصرية كظاهرة اجتماعية وينسبها لتصرفات معدودة لا مسؤولة. مناصرو هذا الطرح غالبًا ما يستعينون بمقارنات مفرغة من سياقها التاريخي ويسوقون مثال التفرقة العنصرية في جنوب افريقيا أو في الولايات المتحدة الأمريكية. أي أن العنصرية تكون ممؤسسة وتتبناها مؤسسات الدولة في إطار قوانين وممارسات تشريعية، وهو شيء لم يشهده المغرب. وفي النهاية يطوى موضوع العنصرية وينتهي النقاش.
الخوض في موضوع العنصرية بالمغرب أشبه بالخوض في نقاش ميتافيزيقي أو ظاهرة لا وجود لها إلا في خيال الصادحين بها. فمفاهيم مثل العرق والتمييز العنصري توجد خارج قاموس الخطاب العام والرسمي. فمثلا، كان رد وزير العدل في مجلس النواب على مقترح قانون ضد التمييز العنصري وكراهية الأجانب أن المغرب لا يحتاج إلى هذا النص التشريعي في الوقت الراهن.
إن ثقافة الإنكار السائدة في المجتمع المغربي لجديرة بالتأمل. فالعنصرية بالنسبة للمغاربة توجد في جميع دول العالم، باستثناء المغرب طبعا. ولا يعدو تسميتها في حال الإقرار بها مجرد عنصرية بريئة أو غير مقصودة. والأدهى من هذا وربما الأكثر سخرية، أن فعل الإنكار قد يتجاوز إنكار العنصرية إلى إنكار الماضي العبودي. فهناك من ذهب على سبيل المثال إلى اعتبار عبيد جيش البخاري «عتقاء لا أرقاء». أما الذين يعترفون بالعبودية في المغرب بشيء من التحفظ فأغلبهم يسمونها عبودية رحيمة.
أكره أن أتحدث عن التاريخ وأكره أن أربط بين العنصرية في مغرب القرن الواحد والعشرين وبين تاريخ العبودية في القرن السابع عشر وقبل ذلك بكثير. فالظواهر الاجتماعية لا يتم مقاربتها إلا في سياقها حيث يعاد إنتاجها وتعريفها، بالرغم من أنها قد تكون ضاربة في أعماق التاريخ. لا يخفى على أحد اليوم أن موجات المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء في العقدين الأخيرين قد عقّدت العلاقات العرقية في المجتمع المغربي وجعلت من اللون عقدة في مجتمع ينظر إلى السواد بعين من الريبة والقدحية في ثقافته الشعبية. يجب أن تقارب العنصرية في مغرب اليوم من هذه الناحية بالذات، أي في سياق الوجود البارز للمهاجرين جنوب الصحراء ومدى انعكاس العنصرية التي يتعرضون لها على السود المغاربة.
في الحقيقة، تواجد المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء بالمغرب، جعل من الحديث عن العنصرية شيئا ممكنا. فأول حملة ضد العنصرية في المغرب، «ما سميتيش عزي» لم تكن لتخرج للوجود لولا استفحال مظاهر التمييز ضد المهاجرين جنوب الصحراء. ومنذ تلك الحملة التي لم يسبق للمغرب أن عرف مثيلًا لها، خرج نشطاء مغاربة سود بدورهم إلى العلن وبدأوا في كسر ثقافة الصّمت والحديث عن تجاربهم مع العنصرية. بالرغم من أن أغلب النقاشات والحملات ظلّت ولا تزال حبيسة مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن ذلك يعتبر على الأقل خطوة إيجابية في انتظار حملات أكثر فاعلية وواقعية.
جدير بالذكر أن المغرب صادق على الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري سنة 1973. لا أحتاج إلى أن أذكّر بمواد الاتفاقية أو حتى بمدى تطبيق المغرب لهذه الاتفاقية على أرض الواقع.
الدولة وضعت قدما نحو الديموقراطية عندما بادرت بالاعتراف بالأمازيغية كلغة رسمية واتخذت خطوات إيجابية للتعويض عن الحيف الذي تعرضت له الثقافة الأمازيغية فيما مضى. ولكي تضع القدم الأخرى فهي مطالبة باتخاذ نفس الخطوة للمصالحة مع ماضيها العبودي وانصاف ضحايا العبودية الذين لا يزالون يعانون من إرث الماضي.
محاربة العنصرية في المغرب أصبحت قضية لا بد على جميع الأفراد والمؤسسات الانخراط فيها. هي قضية أساسية وعادلة وليست قضية «فوقْ الشّبعة» كما يظن البعض ممن يرددون شعارات من قبيل «كلنا مغاربة» أو «لا فرق بين أبيض وأسود» وغيرها من العبارات المفرغة من تطبيقها العملي. يحتاج هؤلاء ممن ينكرون وجود العنصرية في المغرب «أن يصبحوا سودًا»، أي أن يضعوا أنفسهم في موقع السود المغاربة حتى يدركوا مدى فظاعة هذه الظاهرة وآثارها النفسية.
ما حدث مؤخرا مع عبد السلام وادو، موسى نداو وعزوها العراك لا يجب أن يبقى في إطار التضامن والإدانة الشفوية فقط. نحتاج اليوم إلى نقاش حقيقي للاعتراف والتعامل مع ظاهرة في مجتمعنا اسمها عنصرية اللون.
إذا افترضنا واعتبرنا العنصرية في المغرب مجرد ممارسات فردية، فإن التغاضي عن هذه الممارسات والاستهانة بها، وربما تكريسها من خلال إعلام غير متكافئ الفرص، والتلكؤ في سن قوانين صارمة تجرم التمييز، والألفاظ التحقيرية ضد السود يجعل منها ظاهرة اجتماعية بامتياز، بل سياسية في حد ذاتها.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست