انتشرت في الأعوام الماضية في عالمنا العربي العديد والعديد من الأعمال الخيرية القائمة على التطوع. والأعمال التطوعية كما نعلم هي وقود المجتمعات الحية، ومن العوامل الرئيسية لنهضة المجتمعات في دول العالم أجمع. ولأن العمل التطوعي يعطي المتطوع حياة يعيشها الآخرون وتجارب جديدة لم يجربها غيره.
ومن هذا المنطلق قامت نور محمد العجلوني، وهي شابة أردنية مع مجموعة من زملائها في عام 2014 بعمل مجموعة تطوعية لمساعدة المكفوفين على التعلم عن طريق التسجيل الصوتي لبعض الكتب أو من خلال كتابتها على برنامج الوورد، ليتمكن القارئ الإلكتروني بعد ذلك من قراءتها صوتيًا للمكفوفين.
ونترك لنور التعريف بالمشروع حيث تقول، إن مطر مشروع إلكتروني يهدف إلى إعطاء المكفوفين الفرصة التعليمية والثقافية المتكافئة من خلال بناء شبكة من آلاف المتطوعين الشغوفين بمساعدة زملائهم المكفوفين على التعلم من مختلف أنحاء العالم العربي. بحيث يتمكن كل متطوع من تسجيل 10 صفحات صوتيا أو طباعة ثلاث صفحات من كتب أكاديمية أو ثقافية يحتاجها الطالب في مسيرته التعليمية.
وتضيف أيضًا أنه خلال الخمس السنوات الماضية كان يتم التواصل مع المتطوعين من خلال مواقع التواصل الاجتماعي مثل صفحتنا على الفيسبوك أو الإنستغرام أو تويتر، كما يمكن اصطحاب المكفوف شخصيا لأداء الامتحانات أو القراءة وجهًا لوجه. أما الآن فأصبح التطوع معنا من خلال تطبيق المتطوع والمتوفر على المتجرين جوجل بلاي وأبل ستور. بحيث يتمكن المتطوع من الدخول إلى التطبيق وإما سحب الشاشة إلى اليمين لاختيار من التصنيفات المختلفة أي كتاب يريد تسجيله صوتيا، أو سحب الشاشة إلى اليسار لاختيار أحد الكتب من التصنيفات المختلفة لطباعته.
وكما تؤكد العجلوني أيضًا على أن المشروع ساعد حتى الآن وخلال الخمس سنوات الماضية أكثر من أربعمائة طالب كفيف من 11 دولة عربية على البدء والاستمرار بالدراسة، ومسيرتهم التعليمية بمساعدة أكثر من 10 آلاف متطوع من مختلف أنحاء العالم تم خلالها تسجيل أكثر من نصف مليون صفحة يستطيع المكفوفون التعلم منها.
أما راندا مصطفى فتقول إن الأساس هو الإيمان بحق المكفوف في التعلم. وتضيف أيضا أنه حتى المتطوع يستفيد من خلال التسجيل باكتساب معارف جديدة وصقل شخصيته من خلال العمل التطوعي. وختمت راندا كلامها بأنها تتمنى أن تستمر هذه المبادرة في العطاء، وضمان ذلك حتى مع ضعف أو غياب التمويل لهذه المبادرة.
ومن التجارب التي ضمنت لها مطر النجاح كانت تجربة إباء حامد، والتي تمكنت بمساعدة المبادرة من إنهاء دراستها في البكالوريوس والحصول على درجة الماجستير فتقول: «إنها سجلت الماجستير في دراسات المرأة وصارت تعتمد على مطر، حيث ترسل لهم المادة التي تريد، فيقوم المتطوعون بتصويرها وتحويلها إلى ملفات وورد ومن ثم يعيدونها إلي، كما قالت إن المبادرة كانت توفر لها المتطوعين ليصحبوها إلى الاختبارات ويقومون بالكتابة بالنيابة عنها».
وأضافت إباء نظرا لأن أغلب المكتبات في عالمنا العربي لا تقوم على مساعدة ذوي الاعاقة البصرية، فإنها كانت تطلب من المتطوعين الحضور معها للمكتبة لاستعارة بعض الكتب التي تساعدها في إجراء الأبحاث الخاصة بالدراسات العليا التي تقوم بها. كما قالت إنها تود استكمال دراستها والحصول على درجة الدكتوراة والبحث في احتياجات المرأة من ذوي الإعاقة.
وأضيف قبل خاتمة المقال، أن هذا الجهد الرائع الذي تقوم به المبادرة لا بد أن يقابله جهد حكومي لتوفير طباعة الكتب على طريقة بريل، حيث إن التعليم السماعي سيوفر جانبًا واحدًا من جوانب العملية التعليمية لذوي الإعاقة البصرية، لأنه كما تكرمت الدكتورة سهى طبال: «إنه وإن كان التعلم السماعي مهما، فإنه لا غنى عن القراءة بطريقة بريل، مبيّنةً أنّ السمع قناة من القنوات التي يتعلم عبرها الكفيف، لكن من الخطأ التركيز على حاسة واحدة فقط لتعليمه، فالأفضل تعويضه من خلال كل القنوات الحسية الأخرى مثل اللمس أيضًا، كما يجب اتباع أكثر من أسلوب لتعليمه حتّى تصل الصورة قدر المستطاع، بما في ذلك استخدام البقايا البصرية للطالب الكفيف حتّى لو كانت مجرد إدراك للضوء، لتجنب الخلل الحاصل في التعليم السماعي».
وختامًا، يقول الرافعي في وحي القلم: «إنّ من الناس من يختارهم الله؛ فيكونون قمح هذه الإنسانية؛ ينبتون ويُحصدون، يُعجنون ويُخبزون، ليكونوا غذاء الإنسانية في بعض فضائلها» فنحسب أن شباب مطر ومتطوعيها هم عينة من هذا القمح، قمح الإنسانية.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست
علامات
مطر