لعل أجمل ما فى الأدب أننا نقرأه، ونستمتع به، ونتفاعل معه، بمشاعرنا، ورؤيتنا الخاصة، ونرى ما وراء الكلمات ما هو أجمل وأعمق من الكلمات الظاهرة أمامنا.

ونستطيع أن نقرأ فى كل مرة نفس الرواية بمشاعر جديدة عن سابقتها. وفى رواية “هكذا كانت الوحدة” للكاتب الإسباني “خوان خوسيه” التي صدرت عن سلسلة الجوائز، التي تقوم بنشرها الهيئة المصرية العامة للكتاب، والفائزة بجائزة «نادال»، نرى الوحدة فى بطلتها «إيلينا» التى لم تصدم لوفاة والدتها؛ لأن ذلك كان بالنسبة لها حدث وقع بالفعل منذ زمن، لكنها حين وجدت مذكرات والدتها، وبدأت تقرأها، ارتبطت بها بشكل جديد، وشعرت بمعاناتها مع مرض السرطان الذي كانت «إيلينا» أيضا مريضة به، لتتغير حياتها الرتيبة المهملة التى تحياها على تدخين الحشيش وآلام معدتها المزمن.

وفوجشت إيلينا بنفسها توظف مخبرًا سريًا يراقب زوجها الذى كان يخونها بالفعل، إلا أنها بمرور الوقت لم تهتم بالأمر كثيرًا، فطلبت من ذات المخبر أن يراقبها، دون أن يكون على علم بأنها هى من تتحدث إليه. فتجد أن في هذا العالم شخص ما يهتم بها، وبما تفعله، حتى تحليل شخصيتها ونفسيتها ومظهرها شىء مسلي ومحفز لها، فهي تتلقى رأيه فيها، وتعتنى بنفسها، وتهتم بمظهرها. فتغيرت حياة إيلينا بذلك الخيط الرفيع الذى كان ينمو بينها وبين المخبر، الذى بدأ الاهتمام بها بصفة شخصية بعيدة عن وظيفته.

انفصلت إيلينا عن زوجها وانتقلت للعيش فى مكان آخر، ليفاجئنا خوسيه بالمشهد الأخير، والذي ما إن بدأنا نشعر أن قصة ما ستبدأ بين إيلينا وهذا المخبر، حتى يأخذنا لمشهد جلوس إيلينا على مقعد والدتها الذى كان باتجاه النافذة المطلة على الشارع، وتكتب فى آخر سطور مذكراتها أن هناك رجلين أمام نافذتها يتشاجران، وإن ألم معدتها اختفى فجأة كأنه لم يكن هناك أبدًا، ثم بزوغ الشمس واحتواؤها تمامًا إلى أن فارقت إيلينا الحياة.

أعطانا الكاتب وجها جديدًا للوحدة، رؤيتنا للحياة التى تختلف كلما مررنا بشىء نحسبه هينًا، وغير مؤثر، ونجده يغيرنا؛ لنصبح أشخاصًا آخرين، غير ما كنا عليه سنين طويلة، لا نشعر أننا نعيش حياتنا، دون أن نحياها بالفعل، وهناك نقطة تحول بلا رجعة، قد تكون آخر فرصة لنا فى هذه الحياة.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

تحميل المزيد