المدينة الحمراء تلتقط آخر أنفاسها، القلب النابض في المغرب، المدينة السياحية، من الوجهات الأحب والأفضل للسياح، سواء خارج الوطن أم داخله، والوطن العربي أيضًا، فمراكش في أول القائمة ثم تليها المدن الأخرى المغربية المعروفة، كالصويرة وأكادير وغيرهما من المدن السياحية، لكن مراكش تحتضر.
إن ما يجذب السياح في مراكش، المآثر التاريخية الكثيرة، والحدائق الكبيرة، حتى أن المدينة بأكملها شبيهة بحديقة كبيرة لكثرة الأشجار بمختلف الأشكال، والجو النقي، وطيب الهواء والأزهار، والأسوار القديمة التاريخية، والقصور الفخمة ذات المستوى الرفيع، والفنادق الجميلة المتميزة بإطلالات رفيعة، ناهيك عما بداخلها، والأبواب التاريخية، مثل باب غمات، وباب حمر، وباب إيلان، وباب دكالة…إلخ.
وليس هذا فقط، إذ ما يميز مراكش عن غيرها من المدن، ساحة جامع الفنا، الساحة المشهورة عالميا، ساحة تحمل ثقافة وتقاليد ومزايا رفيعة، ساحة تعد القلب النابض في مراكش، كما تعد مراكش القلب النابض في المغرب، ولو تحدثنا عن مراكش في كتاب لن نوفيها حقها، لكنها الآن تعاني كثيرًا، منذ ظهور فايروس كورونا حتى الآن، أهلكت مراكش في هذه المدة، اختف السياح عنها، والسياحة الداخلية الحالية لا تكفي وحدها، إذ أن هناك أصحاب مهن حتى الآن لم يعملوا، ولا حتى ذكرهم أحد، هم يعانون في صمت مثل مراكش، الساحة خالية، ليست كما هي حقيقة، العديد من الفنادق مغلقة منذ بدء الوباء، بعض المقاهي أيضا مغلقة، محلات تجارية، وكذلك أصحاب مهن ضعيفة، هؤلاء الناس من لهم معين غير الله وحده؟
إن أغلب الأشخاص باعوا أغراضهم المنزلية لإطعام أبنائهم، لدفع ثمن سكناهم، إن الوضع مؤلم، بعضهم لليوم لم يتوصل بإعانة، لم يذكره أحد، يعيش في ألم ووحدة كأنه في كوكب غير كوكبنا، آلام ومعاناة تحكيها أسوار المدينة العتيقة، هي الوحيدة العالمة بأحوال أبنائها البؤساء، وفي هذا السياق سأذكر ما قاله الروائي البرتغالي خوسيه سارماغو الحائز على جائزة نوبل للآداب، وأعماله الأدبية تتحدث عنه، من أهمها، العمل البديع رواية العمى والأكثر استصعابًا على الفهم بين كل أعماله. حين سئل عن هذه الصعوبة التي تكمن في حقيقة القسوة البشعة التي يعامل بها الإنسان رفيقه الإنسان بعد وقوعهم جميعا تحت طائلة العمى، ردّ قائلا: أنا متشائم ولكن ليس إلى الحد الذي يدفعني إلى إطلاق النار على رأسي! والعمى الذي قصدته في الرواية عمى اصطلاحي يحيل إلى عمى العقل البشري الذي يسمح لنا بلا أي وخز من ضمير أن نرسل سفينة فضائية لتحط على المريخ وتتفحص مكوناته الصخرية في الوقت الذي نسمح فيه لملايين من الكائنات البشرية أن تتضور جوعًا على كوكبنا الأرضي. نحن إما عميان أو مجانين ولا شيء غير هذا.
إننا لا ندرك ما نرتكبه من أخطاء في حق إخواننا، علينا استخراج الحكمة من الأمثلة الماضية، إن الوضع لا يبشر بالخير في ظل هذه الظروف، كلنا متحدون، وصحتنا أولويتنا، لكن الإقناع ببقاء الناس في منازلهم، واجب أن يكون مرفقا بتعويضات تسد حاجياتهم الأساسية على الأقل، فكيف الآن تحكي الشوارع وجود البسطاء يبيعون أغراضهم المنزلية؟ الفراش، البطانيات، الملابس؟ لماذا هؤلاء الناس لم يأخذوا حقهم؟
إن من واجبنا كمواطنين أن نساند بعضنا البعض، والدولة واجب عليها وضع هذه المسألة على رأس القائمة، لا يعقل أن الناس في الشوارع تبيع أغراضها من أجل إطعام أبنائها، إن هنالك من يعاني في صمت، وليس باستطاعته قول كلمة، ولا يحس به إلا من مثله، ويد العون قليلة، ومن يساعدون هم أيضا بحاجة لمساعدة، من المفروض وضع خطة تغطي مثل هذه الثغرات المؤلمة، إنهم أناس مثلنا، كانوا يشتغلون بعرق أكتافهم، لكن الوباء حال بينهم وبين مصدر رزقهم، فمن الواجب مساعدتهم، أو تركهم يشتغلون.
الوطنية ليست كلمات، أو تغني، أو…، الوطنية الحقة يأتي دورها في مثل هذه الظروف مساعدة الإنسان أخيه الإنسان، ولا نعلم الدور الذي يعده لنا الغد، لكن من اللازم مساعدة غيرنا، لكي نجد من يساعنا نحن أيضا في يوم من الأيام.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست