تسعى مؤسسات المجتمع المدني في العالم إلى إيجاد حياة آمنة مستقرة لأفراد المجتمع، بينما تتفاقم نسبة الجريمة في دول العالم المتقدمة منها والمتخلفة على حد سواء، وإن كانت تتباين النسبة وفق عوامل عدة تؤثر على منحنى الجريمة، ونتيجة لذلك تخرّج المجتمعات سنويًا عددًا من المجرمين الذين يعتبرهم البعض وصمة عار على جبين الإنسانية.. فإن تُركوا – هؤلاء المجرمين – دون رعاية أو اهتمام فسيكونون وبالًا على شعوبهم، وحتمًا فإنهم نادرًا ما يتقبلهم المجتمع أو هم أنفسهم يحسنون صناعة حياة جديدة لهم.. لأجل ذلك كله كان لابد من تبني سياسة إعادة تأهيل هؤلاء المجرمين وإعادة إحياء بذرة الخير والإنسانية فيهم ليصبحوا مواطنين صالحين، ويمارسوا حياة شريفة في بيئة اجتماعية صحية وصالحة.. إن إعادة تأهيل المجرمين استراتيجية اجتماعية باتت ملحة خاصة في الدول العربية التي تفتقر إلى أدنى حقوق الإنسان وتأتي في ذيل القائمة.. إنها صرخة عساها تصل إلى آذان صانعي القرار.
ففي هذا المقال نذكر حلولًا عملية لا نظرية لنصنع بيئات تستطيع احتضان المجرمين واستيعابهم وإعادة بناء شخصياتهم وفكرهم ليغدوا عناصر إيجابية تساهم في بناء أوطانهم لا معاول هدم تقض مضاجع مجتمعاتهم.
– تشييد السجون بشكل معماري جميل لا الشكل التقليدي على أن تكون من الداخل مجهزة بكافة الإمكانيات من ورش نجارة وحدادة وصالات رياضية ومركز خياطة وقاعة محاضرات ومختبرات الحاسوب وكل ما يوافق الأنشطة المقترحة ليتم تدريب النزلاء على مختلف المهن حسب رغباتهم وميولهم وحاجة المجتمع الخارجي.
– تغيير اسم السجون إلى أسماء توحي بالإيجابية كمؤسسة إصلاح، بيت الأمان.
– تعيين أناس أخصائيين اجتماعيين ونفسيين في تلك المؤسسات مع إعطائهم دورات اجتماعية ونفسية وفقهية للمحققين وكل موظفي المؤسسة.
– عمل جلسات دعم نفسي واجتماعي للنزيل خاصة في بداية التحاقه بالمؤسسة والأنشطة النفسية.
– وضع خطة مدروسة مركزية وأخرى فرعية يتشارك فيها خبراء ومختصون تربويون واجتماعيون وشرعيون.
– التنسيق مع وزارة الأوقاف لوضع برنامج وعظي ديني لتعزيز الوازع الديني وتقوية رقابة الفرد الذاتية لله.
– التنسيق مع وزارة الشباب والرياضة للمساهمة في أنشطة تتعلق بالجانب البدني للنزلاء.
– التنسيق مع وزارة الصحة لعمل فحص طبي شامل للنزيل ومتابعة أي أمراض يعاني منها.
– التنسيق مع وزارة العمل لتوفير دورات مهنية وفنية للنزلاء وتوجيههم نحو المهن التي توافق احتياجات سوق العمل حتى إذا ما أنهى النزيل مدة الحكم وجد مصدرا للكسب المشروع؛ مما يساهم في استمرار استقامته.
– التنسيق مع وزارة التربية والتعليم لإعداد برنامج تعليمي للنزلاء.
– إعداد دبلوم مهني لمدة عام يشمل عدة تخصصات ويركز على الجانب المهني ويعقد بامتحان شامل نهاية العام ومن يتمه بمعدل محدد يكافأ بالإفراج عنه، وألا يكون الامتحان إلزاميًا وإنما يلزم الجميع بالحضور والمشاركة لتعم الفائدة.
– إعداد أنشطة ترفيهية وترويحية بحضور أهالي النزلاء؛ مما يعزز الترابط الأسري ويقوي علاقة النزيل بأهله بشكل إيجابي خاصة في المناسبات الوطنية والدينية.
– مراعاة خصوصية المرأة في كل ذلك وتوفير حضانة لأبناء النزيلات الأمهات فلا تحرمن من أبنائها والذي يعزز الجوانب النفسية والاجتماعية لديها بشكل إيجابي.
– إعداد مشاريع خاصة بالمرأة حسب طبيعتها وإمكانياتها لتوفير مصدر للكسب الحلال.
هذه بعض المقترحات والطموحات التي نأمل أن تهتم بها حكوماتنا ومؤسسات المجتمع المدني حرصًا على الإنسان والمواطن والوطن والوصول بالمواطن إلى بر الأمان وأن يكون عنصرًا إيجابيًا فعالًا يساهم في بناء وطنه فلا يشعر بالدونية، وأنه عبء على المجتمع، ووبال وفايروس يستوجب القضاء عليه.
فللإنسان كرامته وحقه في أن يحيا حياة كريمة حتى وإن أخطأ، وكان يومًا في مصاف المجرمين، فليس معنى ذلك أن يبقى هذا وشما لا يفارقه.. ولكن تبقى النظرة السلبية والدونية التي تلاحقه وتلاحق أهله وذريته، رغم أننا كلنا نردد القاعدة الربانية (ولا تزر وازرة وزر أخرى). ولكن من منا يطبقها عمليًا؟
ومن منا يوافق أن يرتبط ابنه بابنة مجرم سبق له أن سجن وتاب وأصبح عنصرًا إيجابيًا؟ ومن منا يوافق أن يتقدم لابنته شابًا والده سجين سابق؟
يبقى هذا الموضوع شائكًا يحتاج لجهود حثيثة لإعادة تهيئة العقول وبرمجتها على تقبل هذه الشريحة من المجتمع.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست