كما كان محمود سامي البارودي مجدد للأدب والشعر العربي، وكما كان اللاعب عمر السومة مجددًا لآمال المنتخب العربي السوري في الصعود لكأس العالم، أصبح دونالد ترامب مجددًا لنظرة المملكة العربية السعودية وقيادتها في تطبيق فكرها الوهابي، بالرغم من تمسكهم به لعقود، ولم يجرؤ أحد حتى على لفت انتباهها لتجديد هذا الفكر.

دائمًا ما رأينا من الوهابية أنها تريد من المجتمع السمع والطاعة العمياء، وأن لا يروا إلا ما تراه، وما تراه هو المحور والمدار الذي يجب أن يسير عليه كافة المسلمين، وتستخدم مسلمات مخدرة، وتتعامل مع الإنسان كحيوان أو جماد مغيب العقل ومسلوب الإدراك والإرادة، فصار هذا الفكر الوهابي يولد شخصيات عكس الطبيعة ومنعزلة عن الواقع ومضادة للقيم السائدة وتصطدم بالواقع الخارجي، حينما تخرج خارج إطار هذا الفكر وتضطر للمواجهه مع المختلفين فكريًا، ومحاولات التطويع الديني الشكلي للشعب السعودي والمناطق العربية في إطار نظم القيم الوهابية قد يفشل مع هذا الانفتاح والتفكير والتدبر وعدم التسليم لأي فكر.

الفكر الوهابي غير مرن حيث شكل مناهج ذات جمود غير قابلة للتطور وتتعامل بمكونات الواقع كما لو أنها خُلقت في القرون الوسطى ومصرة على البقاء في هذا الزمن، كما أنها تكرس للقطيعة مع الحياة ومع الآخر المختلِف وإن كان من نفس المعتقد، فما بالك إن كان مختلف عقائديًا.

الغريب أن معظم ممن أراهم من شيوخ يحملون الفكر الوهابي غالبًا ما يكون عليهم العديد من علامات الاستفهام، وكثيرًا ما يكونون شيوخًا للسلطان الحاكم، ويطوعون الدين لخدمة سياسة هذا السلطان، ولعل أقرب مثال ما يحدث في السعودية من تناقض للشيوخ، فالأمس القريب كان قيادة المرأة للسيارة إثمًا عظيمًا، وبعد قرار العاهل السعودي بالسماح لهن بالقيادة أصبح قرارًا عظيمًا وصحيحًا من الناحية الدينية، بعد أن كان من المحرمات، هم يتمايلون مع من يخدم مصالحهم ويحفظ وجودهم حتى لو أتى ذلك على حساب دينهم، ومن المثير للجدل أيضًا فتاواهم التي تحض على الكراهية وعدم التعايش والتفرقة، فمن منظورهم أن الخروج عن الحاكم مهما كان فجوره حرام، والاحتفال بالمولد النبوي حرام، ووجود الأضرحة حرام، بل هدموا بعض الأضرحة التاريخية لتابعي النبي من الصحابة وأقاربه وغير ذلك من بعض الفتاوى التي تستحل دماء الغير بدون وجه حق، فلم نكن أبدًا دين عنف أو تطرف.

ولكن على غير المألوف في الآونة الأخيرة ما نشهده من انفتاح سياسي غير مسبوق من القيادة السعودية، وخاصة بعد زيارة الرئيس الأمريكي والقمة العربية الإسلامية الأمريكية، ظهر ذلك في القرارات الملكية وتحسين بعض الأوضاع التي تعنت النظام السعودي في إيجاد حل لها، لكن كل ما أخشاه هو أن تتحول السعودية من التشدد إلى السطحية؛ لأن هذا التغير في السياسات مفروض بناء على ضغوط سياسية إقليمية، وليس بناء على قناعات، وتجديد فعلي للخطاب الديني ”الوهابي”.

إذا كنت أرفض الفكر السعودي، فأنا أيضًا أرفض التدخل الأمريكي في تحديث الفكر حسب أهوائهم، وخاصة إذا كان تدخلهم في الأمور الدينية؛ لأن أول الغيث قطرة، لا يخفي عنا الرغبة العلمانية في استغلال الفرص للعبث في المجتمعات الشرقية، فمهما كانت التصرفات والتعقيدات السعودية، لا أريد الرغبة في الإصلاح غير المحسوب والمُغرِض القادم من الخارج، وخاصة حينما تأتي الرغبه من دولة لم تكن على وفاق قبل ذلك.

نحن نريد ديننا النقي دون شوائب تاريخية، وتعقيدات وتلميحات التطرف الدخيلة عليه، وأيضًا لا نريد السطحية واللامبالاه والانسياب مع أي فكر غربي لا يلائمه.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد