عندما اندلعت المظاهرات في اليونان في صيف 2010 على خلفية الإجراءات التقشفية التي تبنتها الحكومة ضمن خطة شاملة لإعادة هيكلة الاقتصاد اليوناني الذي وصل إلى حافة الانهيار؛ خرجت المظاهرات في كل مكان وبلغت المواجهات ذروتها في شوارع العاصمة أثينا عندما تمادت قوات الأمن في قمع المتظاهرين لتأخذ المواجهات شكل الاشتبكات العنيفة.
كان المتظاهرون يخططون للسيطرة على قلب المدينة للاعتصام من أجل إجبار الحكومة على الاستماع إلى مطالبهم والتي يعتبرونها عادلة من وجهة نظرهم؛ وبينما الاشتباكات في ذروتها، لاحظ المتظاهرون وجود كلب من كلاب الشوارع – لقبوه لاحقًا باسم “لوكانيوس” – قرر الانضمام إلى صفوفهم. كان مشهدًا ملحميًا ومدهشًا. فمع صباح كل يوم عندما تبدأ الاشتبكات يظهر “لوكانيوس” من العدم لينضم إلى الصفوف الأمامية للمتظاهرين؛ كانت المهمة التي أوكلها لنفسة بجانب الاشتباك مع الشرطة؛ هي إبعاد قنابل الغاز التي تطلقها الشرطة على المتظاهرين قدر المستطاع.
ظل لوكانيوس يفعل الشيء ذاته على مدار عامين من المظاهرات وكأنه التزام شخصي من جانبه بأن يقف على الجانب الأخلاقي الصحيح. لا أحد يستطيع أن يجزم ما هي دوافع لوكانيوس التي دفعته للانضمام إلى صفوف متظاهرين. ولكن المؤكد أنه كان يمتلك فطرة سليمة؛ فطرة يفتقدها كثير من البشر جعلتهم يفقدون أي قدرة على التمييز بين الحق والباطل. ولم يراعوا أي حرمة للموت أو رأفة بضعيف، دعموا القمع طالما بطش الطغاة لم يطلهم.
لو امتلك هؤﻻء قليلا من إنصاف لوكانيوس؛ لربما قد تجنبنا الاستماع إلى جمل من نوعية “إية إللي وداهم هناك وكفاية خربتوا البلد”. لو امتلك هؤلاء فطرة لوكانيوس واعتدال قناعاته لربما نجحنا وعبرنا إلى دولة العدل والمساواة بدون جمل التخوين والازدراء ونفي الآخر والتطبيل للطغاة.
وربما قد حالفنا الحظ في وعي يستطيع أن يميز أن أكثر من 2000 قتيل ودستور بمحاكمات عسكرية وقانون للتظاهر أفضى إلى اعتقال أكثر من 22 ألف معتقل، لن يفضي إلا إلى فوضى وسقوط يتلوه سقوط.
مات لوكانيوس في 2014 وخلد المتظاهرون هناك ذكراه؛ وستجد “جرافيتي لوكانيوس” في كل مكان هناك وفاء لصديقهم الوفي الذي سيتذكرونه دائمًا. مثلما سنتذكر نحن أيضًا أن هناك الكثير من البشر قد عاشوا حياتهم المديدة ولم يحظوا بلحظة “محترمة” كالتي عاشها لوكانيوس.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست