كان من المتوقع أن يعيد «إسلام البحيري» صياغة مشروعه الفكري بعد خروجه من السجن، أو على الأقل إيجاد وسيلة أفضل للتعبير عن أفكاره بعيدًا عن السب والتجريح في الرموز الدينية، ولكن من الواضح أنه مستمر على المنهج نفسه وبالأسلوب الفظ نفسه في الحديث والنقاش، ولا يضع أي اعتبار للأزهر الشريف والمؤسسات الدينية في الدولة، فبعد كل حدث إرهابي يظهر في البرامج التلفزيونية ليؤكد على وجود نصوص دينية هي السبب في تلك الأفكار المتطرفة التي يعتنقها الإرهابيون، ويأتي بالعديد من النصوص الشاذة ليقوى بها حديثة وفي الكثير من الأحيان يتلفظ بالسباب علانية، ويتهم الأزهر ومشايخ السلفية بالدعوة للإرهاب والقتل، بل يتعدى الخطوط الحمراء ويشكك في آيات قرآنية ويفسرها وفقًا لمصلحته لتأكيد قدسية حديثه.
وعلى الرغم من دخول إسلام البحيري السجن بتهمة ازدراء الأديان، تقدمه البرامج التلفزيونية كصاحب مشروع فكري يهدف لمواكبة سكان الأرض بمختلف مللهم، وإيجاد فسحة في الدين الإسلامي لقبول للآخر، لذا اسمحوا لي أن أقدم فكرة بسيطة حول مشروع إسلام البحيري بحسب قراءتي له ومشاهدة حلقات برنامجه السابق.
أولاً: يؤكد البحيري في حديثه التلفزيوني، كون العالم الإسلامي يعيش في حقبة لا تحتمل هذا التشدد أو تحري الحلال بهذه الدقّة وعلى حد قوله إن الإسلام اتخذ هذا التشدد والتفصيل الدقيق من الشريعة من اليهودية.
ثانيًا، يؤكد في مشروعه الفكري على أن كل شيء اختياري بحسب المزاج؛ فيمكن لأي أحد بحكم الحرية المكفولة له أن يقوم بأي ممارسة في أي مكان، ولو خالفت الشريعة بزيادة أو نقصان، بل يفسّر النصوص وفقًا لفهمه الشخصي لها ويطبّقها بحسب ما يتفق مع مصلحته، وذلك كله حتى يستطيع الناس أن يضربوا عصفورين بحجر: ينعمون بهويتهم كمسلمين ولا يُحرمون من شهوات الدنيا وملذاتها.
ثالثًا، من وجهة نظره الشخصية يرى أن الشيء الوحيد الذي يقف في وجه مشروعه الفكري والتنويري هو الإرهاب وأشكاله العديدة، أبرزها محاربة البدع والفساد والعقائد الكفرية، عفوًا -الأخرى- والممارسات الشركية، فلا بد من توفر مساحة للنقاش في الدين الإسلامي، الكل يدعو لما يشاء والمجتمع حر فيما يقرر ويريد، وحتى يتم تجفيف منابع الإرهاب واستئصاله لا بد أولاً من وقف طباعة كتب ابن تيمية، ووقف نشر تعاليمه التي تدعو لسفك الدماء والعنف وغير ذلك.
رابعًا، يرى ضرورة إعادة النظر في صحة الأحاديث المنسوبة إلى النبي – صلى الله عليه وسلم- وإعادة كتابة التراث الإسلامي مرة أخرى ليتفق مع العصر الحديث والمتغيرات الحالية.
في تلك النقاط الأربعة اختصرت لكم مضمون المشروع الفكري الذي يدعو إليه البحيري منذ عدة سنوات من خلال كتابته مقالاً أسبوعيًا وتقديمه برنامجًا تلفزيونيًا موقوفًا حاليًا بحكم قضائي.
وحاليًا يخرج لنا على شاشات التلفاز بين الحين والآخر بمجموعة من القصص المنسية في كتب التراث، ليهاجم البخاري ومسلم وغيرهما من علماء الإسلام، دون أن يملك في جعبته منهجًا حقيقيًا لتنقية التراث، فقط يعتمد على إثارة الجدل والدخول في مناقشات دون فائدة، ولعل الدليل على ذلك المناقشة الشهيرة التي أجراها قبل دخوله السجن، والتي جمعته مع الشيخ «أسامة الأزهري»، والشيخ «الجعفري»، والتي اتضح فيها مدى الجهل وسطحية معلومات إسلام البحيري، واعتماده على التدليس في الاستدلال بالنصوص التي تتناول الحالات الاستثنائية وإباحة المحظورات لوجود ضرورة فيأخذ النص ويقدمه للناس ويصوره على أنه من أصول الأحكام.
وأكثر ما أثار غضبي هو قول إسلام البحيري بكونه امتدادًا للمفكر التنويري «فرج فودة»، فرج فودة الذي مات مقتولاً، إثر اعتداء إرهابي طاله بسبب آرائه وكتاباته التنويرية، الداعية إلى محاولة الوصول إلى فهم أكثر عقلانية واستنارة وموضوعية للإسلام وتراثه الفقهي والفكري، فرج فودة الذي خاض رحلته التعليمية الطبيعية إلى أن حصل على درجة الماجستير في العلوم الزراعية، ثم على درجة الدكتوراه في الفلسفة الزراعية من جامعة عين شمس، وبدأ مبكّرًا رحلة طويلة مع التفكير والتنوير والبحث في مجال العلوم الإسلامية، وله كتابات عديدة مسلسلة في هذا السياق، نُشرت على صفحات مجلة أكتوبر وصحيفة الأحرار المصريتين، وأصدر عددًا من الكتب التي احتوت على آرائه التنويرية العميقة في مجال البحوث والدراسات الإسلامية، كما أسس وأدار الجمعية المصرية للتنوير، والتي كان مقرها في مصر الجديدة، بينما لم يحصل إسلام البحيري سوى على برنامجه التلفزيوني وماجستير من جامعة ويلز البريطانية.
فكيف يقارن إسلام البحيري نفسه بفرج فودة ويجعل من نفسه امتدادًا له وهو ابن البارحة الذي لم يتجاوز سن الأربعين بعد، ولم يخرج بكتاب واحد يتحدث فيه عن ملامح مشروعه الفكري التنويري.
خلاصة القول، إسلام البحيري جاهل لم يحصل على القدر الكافي من العلم ليتحدث في أمور عقائدية، ولا يحق له أن يهاجم مؤسسات دينية، وأن يطرح أراء في العلوم الدينية، ومن الخطأ مقارنته بمفكرين كبار.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست