(1)

الحقيقة أن هذه المقالة تكسر قاعدتين حاولت أن ألزم نفسي بهما في المقالات: الأولى ألا أنساق وراء التراشق الداخلي داخل الصف المؤيد للشرعية في الوقت الذي تعصف فيه أعاصير الفاشية بمصرنا، والثانية ألا أقسو على معتقل حالي أو سابق، فيكفيه ما نال من المحنة، وأحسبهم جميعًا أفضل وأعلى بكثير عند الله مني.

(2)

لكنني مضطر أن أتوقف عند تصريح خطير للأستاذ أبي العلا ماضي، وأن أطيل عنده الوقوف، لأنه يعد تصريحًا كاشفًا يسلط الضوء على أشياء كثيرة لا بد أن نتوقف عندها، ومن العبث أن نجعل القواعد المسبقة لأن نمر عليه مرور الكرام، فما نحن بكرام إن مررنا عليه مرورًا دون التوقف عنده طويلًا بالفحص والدرس.

(3)

فقد نشرت جريدة العربي الجديد يوم 5 يونيو حاورًا خاصًا مع الأستاذ أبي العلا ماضي رئيس حزب الوسط،

تحدث فيه عن بعض وقائع عهد الرئيس مرسي كما يلي:

«استغنى الإخوان بأنفسهم عن بقية القوى السياسية في السلطة، وتصوروا أنهم يستطيعون إدارة الدولة وحدهم، وأن نجاح مرسي في الانتخابات الرئاسية أعطاهم تفويضًا بهذا، بالتالي شعروا بالاستغناء عن الشركاء الحقيقيين، وكانت نصيحتنا المستمرة لهم بضرورة المشاركة.

وهنا أسرد موقفًا واحدًا، فعندما حدثت أزمة الإعلان الدستوري في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 دعونا لحوار في قصر الاتحادية في اجتماع قمت بإدارته، وانتهينا بإلغاء الإعلان الدستوري. هدأ بعدها الرأي العام، وعندما انتهت الأزمة قمت بزيارة مرسي في قصر الرئاسة وبصحبتي وزير الشؤون القانونية السابق، محمد محسوب. وقتها قال محسوب: «يا دكتور مرسي ربنا وفقنا وعدينا الموجة العالية الخاصة بالإعلان الدستوري، ولكن ستكون هناك موجة أشد ولن نستطيع أن نواجهها إذا لم نبدأ في الاستعداد لها من الآن».

وطالبه بضرورة إشراك القوى السياسية في الحكم، واقترحنا عليه اسمين وهما محمد البرادعي، وعمرو موسى كي يختار من أحدهما رئيسًا للوزراء فرفض مرسي، بل وأخبرني قائلًا: «الرئيس الأمريكي باراك أوباما اتصل بي وقال لي استفِد بأحد هذين الشخصين معك ومستعد أكلمهما لك. وبعدها اتصل بي أيضًا رئيس الخارجية الأمريكي جون كيري، وقال لي استعِن بأحدهما رئيسًا للوزراء. وأيضًا خلال زيارتي لألمانيا قالت لي المستشارة أنجيلا ميركل عليك الاستعانة بأحد منهما أي البرادعي وموسى رئيسًا للوزراء». هنا قلنا لمرسي: «هذا يؤكد وجهة نظرنا وسيريح أطرافًا دولية كثيرة»، فردّ مرسي رافضًا: «لا»، وذكر عددًا من الأسباب التي أتحفظ على ذكرها الآن.

بعدها تحدثت إلى المرشح الرئاسي السابق سليم العوا، وكان يحضر معنا لقاءات قصر الاتحادية، وطالبته بأن يقترح على مرسي اختيار نائب الرئيس السابق المستشار محمود مكي رئيسًا للوزراء، طالما أنه لا يريد البرادعي أو موسى. وبالمناسبة هنا، أذكر أن مكي قال إنه منذ الأسبوع الأول لاختياره نائبًا لرئيس الجمهورية كان يرغب في الاستقالة، إلا أنه قام بتأخيرها بسبب أحداث الإعلان الدستوري.

وطالبت العوا بالاتصال أيضًا بمكي وأخذ رأيه قبل أن نقترح اسمه على مرسي رئيسًا للوزراء، فقال لي العوا: اقترح اسمه على مرسي وأنا سأقنع مكي. حينها طلبت موعدًا للقاء الرئيس مرسي، وبالفعل صعدت للقائه أنا ومحمد محسوب وطرحنا اسم محمود مكي، وخلال جلوسنا معه فوجئنا بأنه تمت إعادة تكليف هشام قنديل بتشكيل الحكومة، فقام محسوب بكتابة استقالته ونحن جالسون مع مرسي ووافقه عليها.

وهذه كانت النقطة المحورية وهي أن تسمح بتمثيل للآخرين، حتى وإن لم يكن لهم تمثيل كبير في الشارع».

(4)

هذا الحوار حجة على قائله فيما يخبر به، هنا يجب أن نفرق بين الخبر والرأي، فالخبر يحتمل الصدق والكذب، والرأي يحتمل الاتفاق أو الاختلاف، فقبل أن نتفق أو نختلف فيما ذهب إليه ماضي تعالوا نسرد ما جاء به هذا الحوار من (أخبار):

  • الولايات المتحدة طرحت مباشرةً على الرئيس مرسي تعيين البرادعي أو عمرو موسى رئيسًا للوزراء (هذا خبر وليس رأي).
  • ألمانيا طرحت مباشرةً على الرئيس مرسي تعيين البرادعي أو عمرو موسى رئيسًا للوزراء (هذا خبر وليس رأي).
  • ماضي ومحسوب أيدا هذا التوجه وحبذاه، وأنه سيريح أطرافًا دولية كثيرة (هذا خبر وليس رأي).
  • وأن الرئيس مرسي رفض وكانت له أسبابه التي لا يريد ماضي أن يذكرها الآن (هذا خبر وليس رأي).
  • طرحا عليه اسم محمود مكي رئيسًا للوزراء بدلًا من هشام قنديل، ولما رفض وقتها استقال محسوب (هذا خبر وليس رأي).
  • استغنى الإخوان بأنفسهم عن بقية القوى السياسية في السلطة، وتصوروا أنهم يستطيعون إدارة الدولة وحدهم (هذا رأي لماضي وليس بخبر).

(5)

من هذه الأخبار –التي هي حجة على ماضي لأنه هو ناقلها وهي حجة على محسوب كذلك لأنه حر طليق يستطيع أن ينفيها إن أراد– نثبت ما يلي:

  • الضغوط الدولية تصل ببساطة للتدخل في أدق الشؤون الداخلية، بل تصل لطرح مبادرات التوسط بين الأطراف المحلية، ولنا أن نتخيل أن هذا أيضًا كان يحدث في عهد مبارك والمجلس العسكري.
  • بينما رفض مرسي وحده الاستجابة لتلك الضغوط، فمن الواضح أن جميع الأطراف الأخرى (ماضي) و(محسوب) و(البرادعي) و(عمرو موسى) و(العوا) جميعهم لم يكن لديهم مانع من ذلك، بل صرح (ماضي) و(محسوب) بتحبيذ ذلك، بل واعتبراها انتصارًا لوجهة نظرهما.
  • وهكذا فلو كان ماضي أو محسوب مكان مرسي لما كان عندهم أي غضاضة من الاستجابة للطلبات الأمريكية والغربية.
  • لم يكن خروج محسوب من الوزارة لأي أسباب مبدئية حقيقية، ولكن لأن الاسم الذي طرحه لم يستجب له الرئيس مرسي «مع أن الفارق بين مكي وقنديل ليس واضحًا، فلا مكي محسوب على القوى المدنية ولا قنديل كان من الإخوان، فما هو الفارق الجوهري بين أن يشكل قنديل الوزارة أو يشكلها مكي؟!».
  • مفهوم مشاركة الأقلية في السلطة عند ماضي ومحسوب يصل لتسليمهم رئاسة الحكومة (هذا خبر)، ربما من باب إقامة الحجة عليهم أو الاستجابة لضغوطهم أو كليهما (هذا استنتاج من باب الرأي والتفكير).

(6)

وهناك تفصيلة هامة ربما نساها المهندس ماضي أو تجاهلها، ذلك أن الأمريكيين والأوروبيين لم يطلبوا فقط من مرسي تعيين البرادعي رئيسًا للوزراء وإنما طلبوا كذلك –كما حملت الأخبار المتناثرة وقتها– أن يتم نقل سلطات واسعة تخص رئيس الجمهورية إليه، بحيث تجعل من مرسي من الناحية الفعلية «خيال مآتة» عند البرادعي بينما هو الرئيس المنتخب، ورفض مرسي.

(7)

من هنا يتضح أن مرسي –بغض النظر عن الرأي في سياساته– كان أصلب مما نتوقع، وأن ماضي ومحسوب وغيرهما –بغض النظر عن صواب آرائهم من عدمه– كانوا (أرخى) مما نتخيل.

(8)

ومن المفارقات أن عنوان الحوار كما نشرته الجريدة يتناقض مع ختامه! فعنوان الحوار تمثل في جملة على لسان ماضي إذ يقول:  «على «إخوان» مصر الاكتفاء بالعمل الدعوي»، ثم يقول في آخر سطر «هذه كانت النقطة المحورية وهي أن تسمح بتمثيل للآخرين حتى وإن لم يكن لهم تمثيل كبير في الشارع»، فلنا هنا أن نسأله:

  • ألا يكون تمثيل الأقلية إلا من خلال مقعد رئيس الحكومة؟!
  • أيسمح بتمثيل الآخرين حتى ولو لم يكن لهم تمثيل في الشارع، ثم تطلب من الإخوان الذين لهم تمثيل في الشارع أن يتفرغوا للعمل الدعوي (أي لا يكون لهم تمثيل!).

ألا يتناقض بهذا عنوان الحوار مع ختامه؟!

(9)

وأنا لا أريد أن أقسو على المهندس أبي العلا ماضي، لكن يفرض عليّ عقلي المقارنة بين مرسي الرافض لكل المساومات في محبسه، وبين ماضي الذي خرج من محبس الجدران الأربع إلى محبس أشد ضيقًا على اتساعه، فعندما تكون تلك هي كلماته ومشاركاته في الأحداث الجارية «مع كثير من الصمت عما عداها، مما لا يتصور أن يصمت من هو مثله عنه».. فماذا نقول!

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

الماضي
عرض التعليقات
تحميل المزيد