يتعرض الكتاب لقضية من أهم وأخطر القضايا التي تواجه المجتمع ليس في وقت تأليف الكتاب في سبعينيات القرن الماضي فقط، ولكنها لا زالت مستمرة معنا حتى الآن، وهي قضية التفكير بطريقة علمية.
والتفكير بطريقة علمية لا يجب أن يُتبع فقط في القضايا العلمية أو التي لها علاقة بالعلم، وإنما هي طريقة وأسلوب نحتاج له في حياتنا اليومية. فقد تعرض الكتاب في بدايته لسمات التفكير العلمي من تراكمية وتنظيم وبحث في الأسباب وشمولية ويقين ودقة وتجويد، ولكن ما يستحق التركيز عليه فعلًا سواء في قراءة الكتاب أو في تطبيق التفكير العلمي هو العقبات التي تعترض التفكير العلمي وهي التي لو تم الانتباه لها وبالتالي تجنُبها لتحقق التفكير بطريقة علمية بسلاسة ويسر وسنعرض لهذه العقبات بشكل سريع غير تفصيلي.
عقبات التفكير العلمي:
• الأسطورة والخرافة:
والمقصود إيجاد تفسيرات لأي موضوع أو سؤال حتى لو كانت هذه التفسيرات لا تخضع للمنطق وأخطر ما في هذه النقطة هو ربط الخرافة بالدين وصبغها بصبغة قدسية.
• الخضوع للسلطة:
المقصود خضوع تفكيرنا لأي سلطة سواء كانت سلطة القِدم والتي ترتبط بالموروثات، أو سلطة الانتشار والتي تجعل لأي فكرة أرضية قوية وتكون مقاومتها عائقًا كبيرًا سواء كانت فكرة إيجابية أو سلبية، أو سلطة الشهرة حيث إن الأفكار أو الآراء التي تصدر عن شخصية مشهورة تكون غير قابلة للنقاش، أو سلطة الرغبة والتمني فغالبًا ما نميل إلى تصديق ما نتمنى حدوثه بالفعل، فعناصر السلطة متعددة وكل منها على حدة هو قوة مؤثرة في توجيه المجتمع أو الأغلبية منه إلى وجهة من يعرف كيف يستغل هذه العناصر جيدًا.
• إنكار قدرة العقل:
وفيه يوضح الكاتب أن الأغلبية من الناس تميل إلى اتباع الحدس على اختلاف أشكاله في كل أمور حياتهم سواء كانت تتطلب هذا الحدس أم لا.
• التعصب لرأي أو فكرة: وهو اعتقاد باطل بأن المرء يحتكر لنفسه الحقيقة أو الفضيلة وبأن غيره من الناس يفتقرون إليها لهذا فهم دائمًا على خطأ!
• الإعلام المُضلل:
وهو ما ينتشر الآن كثيرًا جدًا والذي يقوم على مبدأ أن الحدث ينبغي أن يُعرض ويُفسر وفقًا لمصلحة الوضع القائم. كما أنه ينتزع من عقل الإنسان أهم ملكة يحتاج إليها كي يفكر تفكيرًا علميًّا وهي ملكة النقد والتساؤل.
ثم ينتقل الكاتب في الجزء الثاني من الكتاب لتناول العلم نفسه بشيء من التفصيل. فيبدأ أولًا بتوضيح الفرق بين العلم قديمًا وحديثًا مرورًا بالعصور الوسطى للعلم. والذي يؤكد فيها الكاتب على سمة هامة للعلم والتفكير العلمي هي الاعتماد على ملاحظة الظواهر ومشاهدتها تجريبيًّا بدلًا من الاكتفاء بالكلام عنها.
بعدها يعرض لنا مقارنة توضح فكرة عكس الشائعة عن التكنولوجيا والعلم، وهي أن التكنولوجيا هي التي كانت تؤثر بالعلم وليس العكس. وأنه من نتائج الثورة الصناعية ظهور ذلك التخصص الجديد الذي يربط بين المعرفة النظرية والتطبيق العملي وهو (المهندس).
وكنتيجة طبيعية لارتفاع مكانة العلم فإنه يتخذ أبعادًا اجتماعية يحتاج معها التدخل لحل مشكلات العالم من حوله منها مشكلة الغذاء والسكان ومشكلة البيئة ومشكلة الموارد الطبيعية ومشكلة التسلح ومشكلة الوراثة والتحكم في صفات الإنسان، وهي كلها مشكلات تعرض لها الكاتب تفصيليًّا في شرحها وشرح إلى أي مدى تعامل العلم معها، وكيف تم تطبيق جزء من التفكير بطريقة علمية عليها من عدمه وإن كانت هذه المشكلات تؤثر على العالم أجمع وليس دولة بعينها إلا أن النزعات القومية والأيديولوجية ما زال لها تأثيرها القوي، وهو ما حاول الكاتب التطرق إليه مرات عديدة في الكتاب بعدة أمثلة وصور للتأكيد عليه، كما أنه وضحه من خلال عرضه للصفات التي يجب أن تكون بشخصية العالِم.
أسلوب الكاتب كان بسيطًا سلسًا وتتابعه كان منطقيًّا وطريقة عرضه للمسائل العلمية تجعل القارئ لا يعرف إن كان الكاتب هو عالم متخصص في أحد فروع العلوم التطبيقية أو أنه عالم في العلوم الإنسانية النظرية، وهو ما يجب على العالم اتباعه من حيث إنه يتخصص في علم معين ويوسع أفقه في المجالات الإنسانية أو التطبيقية والسياسية وهو ما نجح فيه د/ فؤاد زكريا من خلال هذا الكتاب.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست