ثمة شيء ما، حصل منا في غفلةٍ ساحقة من هذا التاريخ، كي يتحول الشعب الذي كان يواجه “الخواجة” بنصف لثمة، وحجرين، وبخاخة، إلى مجرد كائنٍ أليف، يعيش ويتعايش، على “الكوبونة”، والوظيفة، وأعقاب القذيفة!
ثمة شيء ما بالتأكيد قد حصل، وبشكل أحمق وغريب، كي ينكمش الشعب الذي ما كان يُخيفه جنود “مشمار قفول” إلى وحشٍ أليف جدًا، كما وحوش البوكيمون، يأمره الساسة، الضعفاء، الحمقى، من عصابة الرداء الأخضر، والأصفر، والأحمر، فيأتمر ويخنس، بهدوء وذُل. ثمة ما هو أكبر من تحوّل تاريخي، أو فكر طارئ؛ في الغالب ثمة خلل جيني، وقد علمتُ أخيرًا أن الثورة لا تورّث!
أنا مدينةٌ بكل هذا الهراء الذي يحصل، لوسائل التكنولوجيا، للسيد مارك، ودورسي، وكوريا الجنوبية.

مدينة لهم، بأن جعلوا ثورتنا: صورة “بروفايل”، واسم مستعار، و”لايك”، ونصف “شير”. مدينة لهم أن استطاعوا تحويل الإضراب، بالقوة، إلى منشور وتغريدة، أن يُخمدوا إطارات السيارات المحترقة، ويُشعلوها على “الإنستغرام”. أن يسرقوا جينَ الشجاعة ويستبدلوه بإحدى جينات سامسنوج، أو أبل.

مدينون جميعًا للثورة التي لن تشتعل، لخللٍ ما، رغم أننا لن نخسر سوى القيد، أو الشمعة.
لكن الكاذبين باسم الله وعدونا بالجنة بعد أن تحترق الشمعة بنا، وأننا إذ نصبر على مليشياتهم التي تمارس التشبيح كل يوم، باسم الرب، والدين، والدعوة، والأخوة، والمسيرة، والمشروع الإسلامي، فإن جزاء هذا الصبر هو الجنة؛ كنتَ صابرًا برضا، أو بـ”الصرماية”!

عليك قبل دخول الجنة، بعد أن تنتصر للمرة الرابعة على التوالي، أن تردد ثلاثًا: شكرًا قطر، شكرًا إيران، شكرًا لاتصالك ونهارك سعيد. واسمع وأطع، وإن ركبوا الـKIA، وظهرك، وبنوا المطاعم والمنتجعات من مالِ تبرّعاتٍ كانت ستأتي، معاذ الله، إلى عائلتك، وأخذوكَ إلى قلب المشتل، حبسًا احتياطيًّا، أو اعتباطيًّا.

لا بأس، لم ننتصر، وحلمنا بالأشياء الجميلة طيلة 8 سنوات، ولم تتحقق. ما المشكلة في أن نحلم مرة أخرى، نحلم سويًا، بالقوة، ثم تسألوننا، نحنُ الشعب، حين ندهمكم بأسئلةٍ تمس قداستكم -حماها الله-: مَن أنتم؟ ماذا قدّمتم لله، ولدينه، وللمكتب السياسي؟

اقلب العُملة، سيخرج لك السارقون باسم الوطن من جيوب ضرائب تل أبيب، ومن تسوّلات واشنطن، المعتاشون على “رِمم” بطولات بيروت الزائفة، وأول الحجر والرصاص والهزّ بحنية، قائدو المسيرة من قلبِ المقاطعة بهتافات “التنسيق الأمني”، ذاك الذي يقول عنه الرفيق علي قراقع: التنسيك باختصار، تتصل ع شلومو وتكوله: في شوية مخرّبين .. يا بتجولهم، يا نجيلهم!

وحين آمنَ الناس أن رزقهم تحتَ ظل الصراف الآلي، وعدوهم بدولة عرجاء، تمشي على استحياء في مجلس الأمن لتقول للناس: ثمة 5 مليون فلسطيني يحتاجون تصريح للصلاة في الأقصى، وراتب كامل!

القدس ليست مهمة، ولا الأسرى. البوصلة فقط إلى متجر الملابس الداخلية في ديزنغوف، يرتدون منه ما يستر عوراتهم، ويكفيهم مؤنة المشي “بلابيص” في ساحات الخيانة!
وما بينهما تفاصيل لـ16 دكانة أخرى، تقتات على التصريحات، وبقايا التبرعات، والأحضان، واللقاءات، والاجتماعات. يمضون إلى اللاشيء، فقط عليهم أن يكتبوا تحت اسمكَ في قناةٍ لعينة لا يُتابعها سوى 10 أشخاص: القائد الفلاني، أمين عام باص الفلوكس وأفراده الخمسة، وتاسعهم سيأتي بعد لهطٍ، فمن سيغضب؟ لا أحد.

ثمّة شيء فعلًا حصل، لا أدّعي أنني أعرفه، لكنّي أدّعي أن عاطف عدوان يُخبركم: طز، سنستمر في رفع تسعيرة الضرائب بغزة، ما المشكلة في دعم المقاومة، والممانعة، والسُفرة العامرة بالنبيذ الإسلامي؟ سنأخذ من المواطن، الأهبل، ما يكفي لجيوبنا، ولا بأس أن يتحول موظفونا إلى مُستلمي كوبونات. مبروك لموظفي وزارة الصحة، بالمناسبة، “كوبونة” اليوم.
وأدّعي أيضًا أن خرّيج الروضة بمعدّل مقبول، محمود الهبّاش، الهارب من غزة، لا بأس لديه، وفق فتوى أخرجها الشيخ أبو جلمبو، أن يعود إليها بطائراتٍ عاصفة الحزم، أو סערה חבילות، طالما أنها هُزمت كما هُزم الرسول في أحد، وقائده فقط انتصر في مجلس الأمن كما انتصر صلاح الدين.

يقول التاريخ إنه لا يرحم الجبناء، وإن الشجاعة ما أنقصت عمرًا، ولا التسبيح بحمد الطغاة، و”الكوبونة”، والراتب، في غزة والضفة، زاد في العمر يومًا.

وتقول ستّي: الله كبير .
في 29 نيسان، ستكون نسبة الفشل كيوم 15 آذار، علينا فقط أن لا ننتظر المفاجأة، لقد علمتم أن السماء لا تُمطر نصرًا ولا ثورة، ولقد علمتم أن الثورة إن لم تكن على الكل، غزة وضفة، فهي محض نُكتة، لا أكثر.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله من كل شغبٍ يخلّ بأمن الدين، والوطن، ومسّ المقامات العُليا؛ وأقِم الرثاء، إن الرثاء ينهى عن الأمل في الموتى، والجبناء، ولذكر الله، ثم الثورة، أكبر، والله يعلم بما تصمتون.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد