السعي لإثبات ما أثبته الزمن عبث، ومحاولة إقناع البعض به مضيعة للوقت.

(2)

أتذكر يا صديقي أننا من ملأ الشارع ضجيجا خلال أربع سنوات؟ أتذكر حديثنا عن أننا نشعر بغربة تبعدنا عن الشارع، رغم أنه مكاننا الطبيعي والمعتاد ضد حكم العسكر؟ وكم رددنا أن ثوار يناير المعارضين أثناء حكم الإخوان، الرافضين ل 30/6، المعادين ل 3/7 هم الواقفون على أرضية صلبة لم تحركها أيديولوجيا ولا مصلحة أو غباء أو هوى.

(3)

المشهد الآن بات أكثر تمايزًا عن بداية الانقلاب، فالآن تشكلت كتلتان كبيرتان هما “معسكر الانقلاب” و”أرخبيل رافض لحكم العسكر”.

المعسكر الأول يشكله العسكر والداخلية والفلول والنخب (نخب تسمى نفسها زورًا بالمدنية والديمقراطية)، بينما الأرخبيل (بالتعبير الجغرافي للجزر المنعزلة) الرافض لحكم العسكر يضم جماعة الإخوان وبعض أحزاب (ما بعد الثورة) والقوى الشبابية و مستقلين غير منظمين (هؤلاء المستقلون لا هم يتفقون كليا مع الإخوان ولا مع طريقة تعاطي القوى الشبابية مع الموقف بداية من 3/7) هؤلاء كُثر لكنهم أقل قدرة على صناعة حالة مواءمة وتوافق بين شركاء الأرخبيل.

( 4)

المعسكر الأول سبب نكبة البلاد والعباد لا يستحقون سوى جزاء أفعالهم.

لنكمل يا صديقي حديثنا عن الأرخبيل الثوري: بنظرة سريعة على 4 سنين مضت (مع استثناء حالة التوحد في أيام الثورة الأولى) نجد حركة الأرخبيل في حقيقتها واحدة، مع تغيير في أماكن القوى المنظمة فيه. ومناصفتان زمنيا تفصلهما 30/6. في فترة أولى فريق في الشارع ضد العسكر وفريق ثان ينسق مع العسكر، وفي الفترة التالية الفريق الثاني نزل الشارع وأصحاب الفريق الأول أخذوا مكان التنسيق (وحتى وإن أنكروا ذلك). تبادلوا الأماكن ولم ينسوا تبادل الاتهامات، لم يثبت في موقعه إلا (رواد الشارع المستقلون).

ليس الأمر متعلقًا بمواقع الفريقين فقط ولكن بقدر ما هو متعلق بما يخفون من حقائق ووعدهم بأشياء ليس بمقدورهم الوصول إليها، بل ويمحون أجزاء تتسبب في إحراجهم وتثبت تورطهم.

وللدلالة ليس أكثر هل يملك أحد الشجاعة ليطلعنا على تفاصيل تنسيقه ل 30/6 بما فيها جلوسه مع قيادات أمنية ومخابراتية وعسكرية ورسل أولئك؟ وفي المقابل لم نصادف هذه الشجاعة عند غيرهم ليقول لنا كيف كانت تسير الأمور داخل المؤسسات الرسمية خلال تلك الفترة.

الأمر يتطلب منا وقتا طويلا كي نفهم حقيقة ما حدث لأننا لم نكن نتحدث إلى بعضنا البعض، احتكر الفريقان الفهم قبل القرار، قد نحسن الظن يا صديقي بقيادي الفريقين ونعتبر فعلهم محاولة للتحرر من القيود، وعليه يكون هذا الكلام محاولة لفهم التحرر – المنفرد – الذي يريده قادة كل فريق.

علينا أن نعيد هذا مرارًا وتكرارًا وبأعلى صوت. لا من أجل إحراجهم بل من أجل شيء أكبر منهم، شيء نشعر بصلتنا به، من أجل صامتين، مغلوبين على أمرهم، عديمي الحيلة، مقموعين، ومن قبلهم الشهداء.

(5)

كل الأفراد الذين يمثلون موقعًا ما من القيادة في كلا الفريقين (كما أصحاب السلطة) متواطئون في الإبقاء على أماكنهم ونفوذهم دون أن تمس، لذل يجب علينا أن نتحداهم وأن نسمي الأشياء بمسمياتها ونستشهد بالواقع والوقائع.

أي رئيس حزب أو قيادي في حركة يريد أن يبقى على الدوام لا يغادر موقعه، وهناك أيضا شلة القيادة في أي حزب أو حركة فهم يتماسكون ويدافعون عن بعضهم لأنهم معا يتواجدون في أماكنهم، وهناك من وصل إلى أعلى مكانة قيادية تنظيمية بفضل عبادته وسمعه وطاعته، وهناك من الشباب من يرفض أن يقترب من موقعه أحد لا لشيء سوى أنه من الأوائل في تأسيس حركة أو كيان ما، وأيضا الناشط الذي يصر على تصدر المشهد في أي مناسبة – وبدون – وكأنه يقول “لا يوجد أحد سواي” وهو بهذا يهدم كل شيء ليبني نفسه، والأمثلة لا حصر لها.

الجميع في الفريقين يجسد مقولة “عندما تشتغل بالسياسة وتقول أن الجميع مخطئون، إذن فلابد وأنك تمتلك الحق وبالتالي لابد وأن تحتل موقعًا، وفي هذه الحالة يتوجب عليك المحافظة على هذا الموقع أيا كان ما تفعله أو تتخذ من قرارات أو أيا كانت نتائج فعله وقراره”.

(6)

إذا كنا نتحدث عن قيادات فليس بوسعنا تجاهل المسئولية الأخلاقية لكل قيادي، لكل موقع، لكل فعل، لكل قرار… إلخ.

وإذا أتى الزمن بواقعه ليثبت أن ما خططوا وما قرروا وما فعلوا كان خاطئا وأدى إلى الوضع المأساوي الذي نعاينه ونعيشه، فعلام يبقون في مواقعهم؟ ألا يملون من تجسيد الأبلوموفية؟ألا يخجلون؟

(1)

ألا تشعر يا صديقي أن سبب غربتنا نحو الشارع هو وجود هؤلاء؟ ألا تجد السير خلفهم مضيعة للوقت وإهدارًا للفرص ومزيدًا من الثمن الباهظ؟ أجبني. هل يتوجب علينا البعد عن الفريقين؟

لأنه ببساطة نفس الأشخاص بنفس الأيدولوجيات بنفس المواقف في نفس المواقع لن يؤدي إلى شيء جديد إطلاقا، سوى مزيد من الدائرة المفرغة التي صنعوها.

يا من كنتم سببًا رئيسيًا في كل هذا، تنحوا وغادروا مواقعكم وإلا وجب تنحيتكم إجبارًا.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

تحميل المزيد