جاء القانون 02/09 المؤرخ في الثامن من شهر مايو (أيار) سنة 2002 (1) بمجموعة الحقوق العامة والأساسية لذوي الاحتياجات الخاصة، وذلك من أجل ضمان التكفل الجاد والإدماج الفعلي بهذه الفئة ودمجها في الحياة الاجتماعية والعملية، بوصفها عنصرًا فعالًا في المجتمع يتضمن هذا القانون 39 مادة موزعة في سبع فصول، يضم كل فصل منها أحكامًا تسهل التكفل بحقوق المعاق في الجزائر وتوضح إجراءات ضمان تحقيق هذا التكفل على أرض الواقع. وعلى ضوء هذا القانون يستفيد ذوو الاحتياجات الخاصة – بعد إثبات إعاقتهم – بثلاثة محاور كبرى من الحقوق تقع على عاتق الإدارات والهيئات المعنية المختصة بهذا الشأن. وتتمثل هذه المحاور في التكفل الاجتماعي والإداري، والتكفل المؤسساتي والمهني، والتكفل القضائي.
نتناول في هذا الجزء من المقال المحور المتعلق بالمحور الأول وهو التكفل الاجتماعي والإداري، ونحاول من خلاله الإجابة عن سؤال محوري مهم:
– هل استطاعت الدولة الجزائرية ضمان التكفل الاجتماعي والإداري بفئة ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال سنها القانون 09/02 الخاص بذوي الاحتياجات الخاصة؟
إن القراءة القانونية للقانون 02/09 تضعنا أمام مجموعة الحقوق التي كفلتها الجمهورية الجزائرية لهذه الفئة، وذلك من خلال تحديد الحقوق الأساسية لذوي الاحتياجات الخاصة، والاعتراف والتكفل بها من الناحية الاجتماعية والإدارية من أجل إدماج هذه الفئة في الحياة الاجتماعية بناء على التكفل الاجتماعي والإداري بها وتتمثل هذه الحقوق في حق الاعتراف بصفة المعاق، والحق في التأمين الاجتماعي، والحق في المنح، والحق في الطعن في قرارات اللجنة الولائية للخبرة الطبية.
حق الاعتراف بصفة معاق
بالنسبة لحق الاعتراف بصفة معاق، جاءت في المادة الثانية الفصل الأول من القانون 02/09 أن الاعتراف يكون بناء على طلب المعني وبمصادقة اللجنة الولائية الطبية، والتي تحدد طبيعة الإعاقة ونسبتها وفقًا لما جاء في المرسوم الوزاري المشترك رقم 01 المؤرخ في 31/01/1993 الصادر عن وزارة الصحة ووزارة العمل والحماية الاجتماعية. وحسب هذا الأخير قد حددت الإعاقة البصرية أنها الفقدان الكلي لحاسة البصر بنسبة تساوي أو تفوق من 01 إلى 20% للقدرة العادية للإبصار. في حين حددت الإعاقة السمعية بالفقدان الكلي لحاسة السمع مع محدودية التواصل مع الآخرين. أما الإعاقة الحركية فقد حددت بالعجز عن استعمال أحد أو كلتا أطراف اليدين أو الساقين بنسبة تفوق أو تساوي 50%. أما الإعاقة الذهنية فتتمثل في فقدان المؤهلات العقلية أو الفكرية بنسبة عجز تساوي 80%.(2) فالتصريح بالإعاقة إلزامي لدى المصالح الولائية المكلفة بالحماية الاجتماعية. كما نصت على ذلك المادة 04 من القانون 09/02 إلا أننا نلاحظ في واقع الحال أن الإحصائيات المقدمة من طرف المصالح المعنية ومديريات النشاط الاجتماعي لا تعكس الواقع الفعلي لهذه الفئة. إذ إن الأعداد المصرح بها من الجهات المختصة في كل فئة بعيدة كل البعد عن الواقع المعاش ويرجع ذلك في نظرنا إلى غياب التحسيس المحلي من طرف الجهات والهيئات المختصة، ومن جهة أخرى جهل ذوي الحقوق وذويهم لحقوقهم وفي ذلك نرى أنه على الجهات المختصة استحداث آليات التصريح والإشعار بالإعاقة لدى الجهات الإدارية المعنية وتشكيل لجان مختصة على المستوى المحلي للعناية بالقيد المسحي لهذه الفئة.
الحق في التأمين الاجتماعي
أما بالنسبة للحق في التأمين الاجتماعي فهو يقع على عاتق الدولة ممثلة في مصالح النشاط الاجتماعي عن طريق إدماج فئة ذوي الاحتياجات الخاصة غير المؤمنين اجتماعيًّا في منظومة الضمان الاجتماعي بوصفهم من الفئات الخاصة، فيستفيد بذلك من التعويض على العلاج والدواء. كما يمكن له أن يستفيد من مختلف الامتيازات التي يمنحها الصندوق لهذه الفئة، كالحصول على الأعضاء الاصطناعية والكراسي المتحركة، وإجراء العمليات الجراحية، ومواصلة المتابعة الطبية بعد العلاج. إلا أننا وفي الواقع المعاش نجد عجزًا كبيرًا في تحقيق هذه التأمينات خاصة تلك المتعلقة بالأعضاء الصناعية، والتي تسجل عجزًا كبيرًا في تحقيقها، والمحقق منها ما يزال بعيدًا كل البعد عن معايير السلامة الصحية والنفسية للمعاق. فالأعضاء الصناعية المتاحة يصعب الحصول عليها نظرًا للبيروقراطية من جهة، وبعد المراكز المتخصصة عن الفئات المعنية من جهة أخرى، ناهيك عن عدم مراعاة المقاييس الوظيفية التي تسهل على المعاق استعمالها؛ فالأحذية الصناعية مثلًا المتوفر منها يشكل عبئًا إضافيًّا للمعاق حركيًّا، فبدل أن تسهل عليه التنقل تصعب عليه الحركة؛ نظرًا لثقلها وعدم أخد مقاييس الوزن ونسبة الإعاقة وغيرها، ويبقى المستفيدون منها يعانون في صمت ويفضلون عدم استعمالها لأنها أصبحت تشكل خطرًا على سلامتهم وقدرتهم البدنية.
تحاول الدولة الجزائرية تدارك ذلك من خلال تحديث وتحسين الخدمات المقدمة في مجال الأعضاء الصناعية، من خلال إعادة النظر في المنتج وفتح مجال للخواص للاستثمار في هذا المجال ضرورةً اجتماعية واقتصادية ملحة (3)
الحق في المنحة الاجتماعية
جاء في نص المادة الخامسة من القانون 02/09:«يستفيد الأشخاص المعوقين بدون دخل من مساعدة اجتماعية، تتمثل في التكفل بهم و/أو في منحة مالية» ولم تحدد المادة قيمة المنحة وبناء عليها جاء المرسوم التنفيذي رقم 03/45 المؤرخ في 16 يناير (كانون الثاني) 2003، وحدد قيمة المنحة كبار المعوقين بوصفها منحة موجهة إلى كل شخص مصاب بتخلف ذهني عميق ومتعدد الإعاقات، وكل شخص يوجد في وضعية تجعله في احتياج كلي لغيره للقيام بنشاطات الحياة اليومية بسبب إصابة وظائفه الذهنية أو الحركية أو العضوية أو الحسية، تؤدي به إلى عجز كلي عن ممارسة أي نشاط وقد عرف مبلغ هذه المنحة عدة زيادات حتى وصل إلى حد 4000.00 د. ج شهريًّا سنة 2007 بموجب أحكام المرسوم التنفيذي 07/340 المؤرخ في 31/10/2007. وإلى يومنا هذا ما يزال المنتسبون إلى هذه الفئة يتقاضون هذا المبلغ والذي لا يمكنه تلبية أدنى احتياجات المواطن البسيط فمن المستحيل أن يلبي مبلغ 4000.00 د. ج المتطلبات الأساسية اليومية للمواطن العادي ولمدة شهر كامل. خاصة لأرباب الأسر، وما تزال الوزارة المعنية تتقاعس عن تعديل المرسوم التنفيذي عن طريق زيادة هذه المنحة بما يتناسب مع متطلبات المواطن البسيط، بما يضمن العيش الكريم لهذه الفئة، ولطالما سعت الجمعيات المتخصصة وذوو الحقوق في كل مناسبة إلى تسليط الضوء على هذا المطلب عن طريق رفع انشغالهم هذا والمطالبة برفع قيمة المنحة بـ10 آلاف دينار جزائري بدل 4 ألاف. مع رفع قيمة المنحة لبقية الفئات الأخرى التي يقدر عجزها بأقل من 100%.(4)
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست