الدليل التاريخي لتداول الأيام
كانت البشرية في بدايتها قبائل متفرقة، حيث لم تقم للدول قائمة بعد. نشأت الدول فيما بعد في أماكن محددة؛ بسبب عوامل جغرافية. فنشأت هذه الدول في الصين والهند وبلاد الرافدين ومصر. كان الثقل الثقافي والاقتصادي مركزًا في هذه المناطق. ثم نافستهم فارس والروم. جاءت بعد ذلك خير أمة أخرجت للناس فدمجت معها الحضارة في وادي النيل وبلاد فارس في أعظم حضارة عرفتها البشرية. وهكذا أصبح للعالم القديم أربع حضارات كبرى. وكان لم يزل الثقل الثقافي والاقتصادي مائلًا للشرق، حيث هناك حضارتان، وفي الوسط واحدة، وواحدة في الغرب. انتقل الثقل شيئًا فشيئًا إلى الغرب، وأصبحت الريادة للغرب لأول مرة في قرن الـ18، وذلك طبيعي؛ لأن الأيام دول. ويرى الكثير في نمو الصين والهند عودة للثقل للشرق مرة أخرى. وإذا كان لنا في التاريخ عبرة، فإن بعدهم ستؤول الدولة والهيمنة لغيرهم حتمًا، وهكذا تدور الأيام.
ليست الدولة كل شيء
ما يجب علينا أن نعمله الآن ليس الانبهار المفرط بغيرنا أو التذمر بحالنا. واجبنا الآن أن نتعلم ما يفيدنا، كل في مجاله. النمو يكون بطيئًا، وما سردته من سيرة الأمم أخذ آلاف السنين ليحصل.
ولا يظنن أحد أن السياسة تنتهي، أو أن التاريخ ينتهي أو أن الصراع ينتهي. أو يظن أن هناك جنة تنتظرنا إذا قام لنا شأن بين الأمم. فإن في أمريكا سياسة وقوى تتصارع، وطبقة غنية وطبقة كادحة ومهمشة، وكذلك في البرازيل وفي إيطاليا وفي روسيا وفي الهند وفي الفلبين وفي جميع بقاع العالم. وإذا وصلت الدولة لنا فسيستمر الصراع كما كان في عهد بني أمية وبني عباس. الفرق أننا لا نقهر حينئذ من الخارج، بل إننا نحل مشاكلنا داخليًا كما هو الحال في أمريكا الآن.
مقومات هذه الأمة لتحمل القيادة وسيادة والريادة:
وإن هذه الأمة من الأربع أمم الكبرى، وهي أقواها، ولها الكثير من المقومات لتكون لها السيادة.
1. تاريخها الحافل بالإنجازات الحضارية؛ مما يفند أي ادعاء بعدم أهليتها.
2. هي الأمة الوحيدة التي فتحت القلوب. فإن الحضارة الصينية والهندية انتشرت بالتكاثر، والحضارة الأوروبية بالقتل والاحتلال. أما العرب فقد فتحوا الأرض بالسيف، وهذه ضرورة لأية أمة. ولكنهم فتحوا القلوب بالدعوة.
3. هي الأمة المنهزمة الوحيدة التي دمجت المنتصر إليها. ابن خلدون يقول: إن المغلوب مولع أبدًا بالاقتداء بالغالب، وهذا صحيح، ولكن استطاع المسلمون أن يجعلوا من التتار المنتصرين مسلمين.
4. حوربت من الشرق والشمال والغرب، ومع هذا لم تندثر.
5. اقتصاد العالم الإسلامي لو اتحد يعادل اقتصاد الصين أو أوروبا تقريبًا، وهو ضعف اقتصاد الهند، بالرغم من تقارب عدد السكان!
مفتاح السيادة
فلماذا إذًا يتم الحديث عن ظهور الصين والهند، بالرغم من أن الاقتصاد الإسلامي يعادلهما؟ إنهما الفرقة والشتات. فالوحدة ترفع من شأن أية أمة، بالرغم من مشاكلها الداخلية، وتحد من التدخلات الأجنبية، فلا أمريكا ولا أوروبا مثلًا تستطيع أن توقف المد الصيني. وأرى أن التقارب بأي شكل من الأشكال هو رمي عصفورين بحجر واحد، وهو سبيلنا الأمثل في الخروج من التبعية. وكلما زادت وحدتنا زادت قدراتنا من حل المشاكل قبل أن تتفاقم، وبدون الولوج لجهات خارجية.
خطوات عملية للقارئ
وأحب أن أختم بخطوات عملية. فعلى كل واحد منا أن يزيل أية فكرة إيجابية قد تكون لديه نحو الانفصال والتشرذم ونحو هذه الأقطار المصطنعة المقيتة، فإنهن مغاليق السيادة مفاتيح الفرقة. ويجب غرس فكرة الأخوة والوحدة، بالرغم من عدم رؤية ملامحها التطبيقية الآن. وثانيًا على كل ذي منصب أو قلم أو رأي أن يعمل في هذا الاتجاه، عسى أن يتحقق الحلم في يوم ما، وتدور الأيام لنا كما دارت علينا!
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست