معركة الأصدقاء الأعداء في شرق الفرات

تجري تركيا تحضيراتها النهائية للقيام بعملية عسكرية في شرق الفرات بالتعاون مع الجيش الوطني السوري التابع للحكومة المؤقتة المعارضة، ويصاحب هذه التحضيرات صخب إعلامي ودولي، فتارة تهدد تركيا بالمواجهة كما هو الحال مع قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل وحدات الحماية الشعبية وحزب العمال الكردستاني عمودها الفقري، وتارة بتهديد مبطن من قِبَل البنتاغون بعدم القبول بالعملية العسكرية بسبب وجود القوات الأمريكية. في الأيام السابقة، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن العملية العسكرية سوف تبدأ خلال بضعة أيام لإزالة التهديدات الإرهابية على تركيا في شرق الفرات. هذا التصريح استنفر الميليشيات الكردية لدرجة أن دعوا فيها نظام الأسد لإعطاء موقف واضح وصريح في محاولة لإقحام النظام في المعركة ضد الأتراك والجيش الوطني السوري، كي لا تكون الميليشيات الكردية وحيدة في المواجهة مع رابع أقوى جيش في العالم. مخاوف الميليشيات الكردية قد تكون في محلها بسبب خبرة تعاملهم مع الأمريكيين ومعرفتهم أن الأمريكيين يستخدمون قوات سوريا الديمقراطية بشكل مؤقت لمحاربة (داعش). وكان للأمريكيين سابقة في سحب الدعم عن حلفائها عندما قاموا تحت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوقف دعم فصائل الجيش السوري الحر في الشمال ورفع الغطاء عن فصائل الجيش السوري الحر في درعا عندما قام النظام مدعومًا بالميلشيات الطائفية الشيعية والقوات الروسية بمهاجمتها مؤخرًا؛ مما أدى إلى سقوط الجنوب السوري كاملًا بأيديهم.

في الأسابيع السابقة، قامت تركيا بترتيب بيت المناطق المحررة من الفساد بعملية أمنية اعتقلت فيها عناصر فصائل كانوا يشكلون تهديدًا في عدم استقرار مناطق درع الفرات وغصن الزيتون. كان من الضروري القيام بهذا الإجراء قبل أي عملية عسكرية في شرق الفرات حتى تتفرغ تركيا كليًا لمعركة شرق الفرات بلا أي قلاقل أمنية. أيضًا أرادت تركيا أن تعطي انطباعًا أن المناطق التي تحررها لا تهملها أو تدعها ملكًا لعناصر مدعومة منها غير منضبطة. هذه الرسائل كانت مهمة بالنسبة لتركيا حتى تبعث الطمأنينة لأهالي القرى والمدن التي ستقوم بعملية عسكرية فيها بأنهم سيُمنحون رعاية تركية مباشرة تكون يدها اليُمنى الحكومة المؤقتة التي أثبتت حرفيتها في إدارة شؤون المناطق المحررة. كما أن هذه الإجراءات هي رسالة غير مباشرة للأمريكيين الموجودين في مناطق شرق الفرات بأن الاعتناء التركي بالأمور المدنية في المناطق التي تدخلها ستكون حاضرة وأن تركيا ستكون مسؤولة عما يحصل.

كل هذه الأمور أوصلتها تركيا للسفير جايمس جيفري المبعوث الأمريكي الخاص للشؤون السورية الذي زار مؤخرًا تركيا ومن ثم مدينة منبج. توقيت الإعلان التركي عن العملية العسكرية كان مهمًا جدًا فهذا يعطي إشارة أن الأمريكيين قد تكون عندهم بعض التفاصيل عن العملية، سواء عبر السفير جيفري أو عن طريق رئيس الاستخبارات التركية حقان فيدان الذي كان في الولايات المتحدة الأمريكية لإطلاع الأمريكيين على نتائج التحقيق في مقتل الصحافي جمال خاشقجي. لا يَخفى على الأتراك أن التهديد الأمريكي في شرق الفرات موجودًا ولا يأمن الأتراك لرد الأمريكيين على أية عملية عسكرية في تلك المنطقة، خاصة مع بدء بناء نقاط مراقبة أمريكية ووجود دوريات لتلك القوات. لذلك، فإن الأتراك مهتمون بالتنسيق مع أمريكا في العملية العسكرية القادمة حتى لو خرجت تصريحات من مسؤولين أمريكين يرفضون العملية برمتها؛ لأن في حالة وجود عدم تنسيق بين الدولتين، سيؤدي الأمر إلى عواقب تنكسر بها هيبة الدولة التركية من خلال قصف أمريكي على القوات المهاجمة، سواء كانت التركية، أو من الجيش الوطني السوري، وهو ما سينعكس أولًا على ثقة السوريين بتركيا، وثانيًا على استقرار وأمن مناطق درع الفرات وغصن الزيتون برفع معنويات جيش نظام الأسد والميليشيات الكردية الانفصالية ببدء هجمات متتالية.

من الصعب التنبؤ برد الولايات المتحدة على الهجوم العسكري المرتقب على شرق الفرات، ولكن بحكم السوابق فإنها لا تتوانى عن القيام بهجوم استباقي أو الرد بالمثل على أي هجوم يهدد قواتها، كما حدث مع مجموعة فاغنر الروسية في دير الزور أو قصف مناطق وأرتال جيش نظام الأسد وميليشياته في حمص والرقة ودير الزور. بالطبع، تركيا أذكى من القيام بحماقة تهدد فيها قواتها كما يفعل نظام الأسد، وكما أنها ليست بصدد خسارة شريك مهم كالجيش الوطني السوري الذي يقوم بالقتال إلى جانب الجيش التركي على الأراضي السورية وهو المعني الأساسي بإرساء الأمن والاستقرار وحماية المدنيين السوريين في المناطق التي يحررها. وتركيا تعلم أن أي نكسة للجيش الوطني السوري – وهو المؤسسة الناشئة التي تلقت دعمًا تركيًا ماليًا وعسكريًا ولوجستيًا – سيكون له عواقب وخيمة أقلها أن تنأى فرق الجيش عن المشاركة في أي عملية لاحقة إذا ما كانت هناك خسائر فادحة في الأرواح والمعدات.

التعاون التركي – الأمريكي في الهجوم العسكري سيكون له أثر إيجابي على الثورة السورية، التي شهدت انتكاسات قادتها روسيا في عدد من المناطق في العامين السابقين. أهم هذه الآثار هي عودة اللاجئين السوريين إلى مناطقهم في شرق الفرات وقطع الطريق على الميليشيات الكردية في الانفصال بالإكراه لإنشاء كيان كردي بدون إجراء استفتاء ديمقراطي من قاطني المناطق والسكان الأصليين المُهجرين التي تسيطر عليها. وكذلك فإن موقف الثورة سيكون قويًا في أي مفاوضات سياسية مع نظام الأسد بشأن الحل السياسي، حيث إن الحرب في سوريا مرتكزة على عوامل المساحات الجغرافية المُسيطر عليها ومدى التحالف بين الأفرقاء الداخليين والقوى الخارجية الداعمة لها. كما أن تقوية التعاون بين تركيا وأمريكا سيُبعد الأولى عن روسيا عدوة الشعب السوري التي ما فتئت في السعي للتفريق بين حليفي الناتو عن طريق الورقة السورية. ومن الفوائد التي ستعود على الثورة السورية هي بناء الثقة الأمريكية في الجيش الوطني السوري وإزاحة الدعم عن قوات سوريا الديمقراطية التي تستخدمه لأجندتها الخاصة غير السورية.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد