حراك الريف تيار مشوب بمجموعة من التيارات والضغوطات المتراكمة التي أدت في الأخير إلى تفشي انفجار الجرة المملوءة بحرقة المواطنين المتعطشة للتظاهر والاحتجاج للمطالبة بحقوقهم التي يسعون دائمًا إلى تحقيقها، فالتظاهر والاحتجاج حق مشروع من حقوق الإنسان المنصوص عليها وطنيًا ودوليًا، ومن حق الشخص كيفما كان نوعه أو جنسه أو دينه أو معتقداته أو لونه بممارسة حقه في التظاهر والاحتجاج، كما هو مدستر في العديد من المواثيق الدولية التي نصت على عدم انتهاك هذا الحق، بأي شكل من الأشكال من طرف أي جهة كيف ما كانت، إلا في الحدود المشروعة المتعارف عليها.
وما عرفه تيار الريف الذي عرفه المغرب في السنوات الأخيرة يعد قفزة نوعية عرفها المجتمع المغربي بعد الدستور 2011، الذي نص ضمن مقتضياته بأن حق التظاهر والاحتجاج حق مكفول لدى الجميع، وينبغي احترمه وممارسته بطريقة مناسبة وسلمية، إلا أن ما وقع في هذا الحراك مختلف لما جاءت به المواثيق والنصوص سواء الدولية كالمادة 20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966، الذي نص في المادة 21 منه يكون الحق في التجمع السلمي معترفًا به، ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق، إلا تلك التي تفرض طبقًا للقانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية المصلحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم، أو الوطنية كالدستور المغربي 2011 الذي نص في الفصل 29 منه على أن حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات والانتماء النقابي والسياسي مضمونة، ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات لذلك يجب احترام هذا الحق من كلا الطرفين، سواء في صفوف المتظاهرين والمطالبين بحقوقهم أو من جهة المسؤلين من السلطة أو غير ذلك.
ما يعاب على المحتجين آنذاك في حلقة الحراك أنهم لم يحترموا بعض الحقوق من بينها استغلال أماكن العبادة كالمساجد للتعبير عن مطالبهم والاحتجاج بطريقة سلمية، وعرقلة السير العام للمرافق العمومية وعدم احترام محلات التجار والبائعين في تلك المنطقة؛ لأنها تبقى مصدر عيشهم، وتخريب ممتلكات العامة وممتلكات الغير، وهذا يعد مخالف للقانون والإعلانات الدولية التي تسعى إلى تعزيز حقوق الإنسان والنهوض بها بشكل سلمي ومتقدم، وبحكم أن المغرب منخرط في منظومة حقوق الإنسان ومصدقًا على العديد من الاتفاقيات الدولية في هذا المجال، ويجب احترامها من طرف أية جهة، سواء المحتجين أو المسؤولين، وأي مواطن كيفما كان نوعه فهي تبقى أسمى على النصوص الوطنية وهذا ما جاء في ديباجة الدستور المغربي لسنة 2011.
أما ما يعاب على المسؤلين خلال الحراك، وخصوصًا مراكز الاعتقال وقوات الأمن فهم استخدموا القوة المفرطة، التي أدت إلى بعض الممارسات المخلة باحترام الكرامة الإنسانية وإهدارها بالضرب والمعاملة القاسية في صفوف المحتجين والمتظاهرين، وهذا لا يجوز فاحترام كرامة الشخص كيفما كان واجبًا، ولا يجوز المساس بها لا من حيث كرامته، أو جسده، وكل هذا في سبيل احترام الحق في الحياة، الذي وهبه الله له، لذا لا يجوز المساس بذلك الحق من طرف أي جهة؛ لأنه حق مقدس عند الله، ويجب احترامه وسموه فوق كل اعتبار، وغيرها من الحقوق التي تم تكريسها في العديد من النصوص، سواء الوطنية، كالدستور أو الدولية، كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إلا أنه مع ذلك فهذه الجهات لم تحترم حقهم في التعبير عن مطالبهم وحقوقهم التي تعد بسيطة من أجل تحقيق عدالة اجتماعية منصفة تروم إلى العيش الكريم والسكن اللائق والتمتع بجميع حقوقهم في ظروف ملائمة وآمنة.
فالمطالبة بالحقوق ليس بالعنف والتخريب والممارسات المتطرفة، بل بالممارسة الفعلية والانتصاف المعقول في المطالبة بها، سواء بالتظاهر أو الاحتجاج، لكن ينبغي أن يكون سلميًا لكي نحترم قواعد المتعارف عليها، فنحن بهذا عوضًا عن أن نطالب بحقوقنا المشروعة أصبحنا أول منتهكي هذه الحقوق من كلا الطرفين، لكن لا يعاب أن حرقة الإنسان في المطالبة بأبسط حقوقه المشروعة، إلا أنه ينبغي أن تكون مسالمة وآمنة، فالإنسان خلق تواقًا إلى قيم الحرية والإنصاف والسلم والأمن كارهًا في أعماقه الظلم والتعدي والقمع، وهي من حقوق الإنسان التي أنعم الله بها على خلقه، تلك الحقوق المتأصلة في طبيعتنا، والتي بدونها يستحيل علينا أن نحيا كبشر، فالإنسان يركز في سعيه دائمًا لتحقيق حاجاته ورغباته، قصد تأمين حياة كريمة واحترام إنسانيته ككل، إن المطالبة بالحقوق ليس بالكلام فقط، إنما هي ثقافة ممارسة سلوك تتميز بالأمن والسلام.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست