لم يعد كافياً تناول الرأي العام للأزمة العراقية أو السورية، فارتفاع معدلات طلب اللجوء لدى المنظمات الدولية أكد المخاوف السابقة من سيل هجرة في الشرق الأوسط إثر تردي الأمن ومن بعده البنى التحتية والخدمات وتراجع حقوق الإنسان وهذا ما حدث.

محاولات إعادة السلام إلى الشرق الأوسط ومواجهة داعش مع تحالف دولي يجري التحرك الرسمي الروسي صوبه، لا يحلّ أزمة تفاقمت، فتحسين تردي الخدمات وظروف العيش والحياة الإنسانية إن جرى الأمر وحصلت المعجزة بإجلاء المتطرفين المسلحين، لن يكون عبر سنة واحدة أو اثنتين.

وبدلا من هذا ثمة خدمات مجانية ملأت مواقع الإنترنت، وأخرى تشابهها على الأرض تساعد من يريد الهروب من جحيم بلدين محترقين. فما إن ظهرت صور القوارب الصغيرة بسعة تفوق حمولتها وهي تغرق في البحر الأبيض المتوسط لشباب وعائلات عراقيين وسوريين، حتى أطلقت عدة منظمات غير تلك الرسمية صفحاتها على الإنترنت وهي ترشد الهارب إلى طرق أكثر أمناً لا تكلفه حياته.

 

الاستعداد الألماني ـ الأوروبي بفتح الحدود للاجئين وتوفير احتياجاتهم الإنسانية، وتحول المساعي الدولية إلى التخفيف من محنة الهاربين من أذى بلدانهم العربية، أضيفت له استعدادات أخرى غير رسمية فشبكات التواصل الاجتماعي وقنوات اليوتيوب، ومواقع وصفحات أخرى، توجه خطابها المباشر إلى اللاجئ قبل سفره ليرسم خطته للنجاة والبقاء بعيدا عن الموت، ولاسيما أن أعداد من فقدوا حياتهم في لجة المياه فاقت التوقعات وشكلت صدمة هي الكبرى للضمير العالمي.

 
بعض هذه الشبكات هي لمهاجرين عراقيين أو سوريين تبث طمأنتها عبر الفيديو المصور لوصول المهاجرين بسلام إلى اليابسة، وتنقل استقبالهم من المنظمات الإنسانية وخفر السواحل، وأخرى تنشر بداية الرحلة انطلاقا من تركيا لتدل أبناء بلدانهم المتأهبين لخوض الرحلة المصيرية نحو حياة أفضل إنسانيا وبالتأكيد تعوضهم عن حرمان الأمن والخوف على الحياة من العنف واستمرار الحروب.

لا يهتم العربيّ المهاجر إلى الأمن والفردوس الذي يظنّه في دول وفرت له فرصة ما لعيش حياته بعيدا عن الرصاص والجوع، بأخبار التحرك الدولي لمحاربة داعش، وهو غير مكترث بعودة روسيا إلى مركز القرار الدولي. والذي يعرف سلفا أنه ليس مجانيا، لكنه قريب في هذا الوقت من الإنترنت ومع الوسائل التي تدله على خارطة نجاته وقصة تقديمه طلب اللجوء!

 

 

 
ومثلما تقدر أعداد الذين يستقلون القوارب انتقالا إلى الحياة الجديدة بالآلاف، باتت هذه الشبكات التي وصلت أعدادها للعشرات توفر دليلا كاملا للهرب مزودا بخدمات بعضها مقابل مبالغ مالية وأخرى مجانية.

تصدع الدولة الوطنية في الشرق الأوسط العربي وفشلها في حماية مواطنيها وتوفير الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية هو ما يدفع مواطنيها هؤلاء الى المخاطرة بحياتهم عبر البحار للوصول إلى دول الآخرين.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

تحميل المزيد