كل الدلائل تشير إلى أن قرار فلاديمير بوتين بسحب قواته الرئيسية من الأراضي السورية يوم الإثنين الماضي, والإبقاء على وجود روسيا العسكري فقط في قاعدة طرطوس البحرية والقاعدة الجوية في حميميم, والذي كان مفاجئا للجميع بما فيهم الشعب الروسي نفسه. كل الدلائل تشير إلى أنه كان يستهدف وقف الخسائر الكثيرة -السياسية والاقتصادية خاصة- التي ترتبت على قراره قبل نحو ستة أشهر بدخول قواته إلى سوريا, والذي باركته الكنيسة الأرثوذكسية الروسية وقتذاك!
وحقيقة الأمر أن روسيا تعاني من وضع اقتصادي منهك, بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من الولايات المتحدة والدول الغربية بسبب الأزمة الأوكرانية, وتزايدت معاناتها بعد الانخفاض العالمي لأسعار النفط, مما أدى إلى تدني اقتصاد روسيا بنسبة 3.6 في المائة, وإلى الحد الذي اتخذ فيه بوتين قرارا بخفض الميزانية العسكرية بنسبة خمسة في المائة, ولذلك فإن قراره الأخير بالانسحاب من الفخ السوري, كان يعني التقليل من خسائر الاقتصاد الروسي بدلا من التورط في حرب طويلة قد تمتد إلى سنوات في المستنقع الذي ولجوه أو بالأحرى الذي نصب لهم, وقد جنح في ذلك وزير الدفاع الروسي، سيرغي شوغوي -فيما أحسب- إلى الخيال, مبررا قرار الانسحاب المفاجئ والمربك لدى الكثيرين, إذ أنه أضاف أهدافا جديدة تؤكد سعة خياله, ذلك أنه صرح أن المهمة العسكرية الروسية انتهت, وأنه تم سحق الإرهابيين الروس ومنهم سبعة عشر إرهابيا من القيادات الميدانية! مع أن لا أحد غيره يذكر أن هناك إرهابيين روس حتى يتم سحقهم!
ربما يكون الخلاف الذي بدت بوادره بين روسيا من جهة, ونظام الأسد والقيادة الإيرانية من جهة أخرى, والذي يتمثل في دعوة الأولى للحل السياسي والتسوية الشاملة في مفاوضات جنيف بين الأسد والمعارضة المسلحة, بدلا من أن تتحمل روسيا فاتورة الحرب الباهظة والتي قد تمتد إلى سنوات طويلة, بينما كانت رؤية نظام الأسد هي الرفض لأي حل سياسي من دون بشار, والتي عبر عنها وزير خارجيته وليد المعلم بأن الأسد خط أحمر! ربما يكون ذلك الخلاف سببا لمغادرة الروس, ووسيلة من ناحية أخرى للضغط على النظام وعلى الحليف الإيراني للوصول إلى اتفاق بشأن الصراع.
أيا ما كان السبب في انسحاب الروس من سوريا, فمن المؤكد أن المعارضة السورية والتي تشترط قبول الحل السياسي من غير الأسد, كما صرح بذلك محمد علوش عضو وفد المعارضة والذي يعتبر أن الفترة الانتقالية “تبدأ بسقوط بشار الأسد أو موته” أيا ما كان السبب, فإن قرار الانسحاب من سوريا من المؤكد أنه يمثل دفعة معنوية للمعارضة السورية والثوار ليكملوا طريق الحرية, ومطالبهم العادلة في سوريا الآمنة من دون الأسد وإيران, وأظن أنه لا يبقى للأسد وقتها إلا واحد من خيارين: إما أن يهرب مثلما هرب زين العابدين بن على وإما أن يلاقي مصير سيلفادور أليندي.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست