منذ أقدمت أمريكا على تنفيذ تهديدها الأخير بضرب سوريا، بمشاركة بريطانية فرنسية. انبرت وسائل الإعلام الرسمية والخاصة على اختلافها تبرز وجهات النظر التي تتبناها، مؤيدة كانت أو معارضة.

فالمؤيدون يرون أن الضربة قرار مناسب، وخطوة إيجابية تهدف إلى الوقوف في وجه جرائم الأسد المستمرة، وتكراره استخدام الأسلحة الكيميائية المحرمة دوليًّا بحق المدنيين. والواقع أن هذه الضربة المحدودة لم يكن لها أي تأثير كبير علي الأرض، فلم تستهدف تدمير قوة الأسد العسكرية، أو مراكز التحكم والاتصالات، أو المطارات التي تنطلق منها الطائرات لضرب خلق الله بالبراميل المتفجرة وقنابل الفوسفور الحارقة، التي قتلت وشوهت الآلاف، وحولت سوريا إلى أرض محروقة. كما لم تستهدف زعزعة الأسد عن كرسيه، وذلك وفقًا لتصريحات القائمين على الضربة، وإنما عملت فقط على استهداف البنية التحتية لمنشآت تستخدم فى إنتاج السلاح الكيميائي.

وهذا يؤكد أن هذه الضربة لم تهدف أبدًا إلى الحفاظ على حياة السوريين. فهم، ومنذ سبع سنوات، يقتلون ويشردون ويهجرون على يد الأسد وحلفائه، وكذلك على يد أمريكا وحلفائها أنفسهم. فكيف ننتظر من الذئب أن يحمى فريسته؟!

حقيقة الأمر أن ما حدث إنما يهدف إلى شل قدرات نظام الأسد على إنتاج سلاح كيميائي يتخوفون من أن يستخدمه لتهديد جيرانه اليهود بتحريض من إيران. فالصهاينة، وإن كانوا يتفقون مع الفرس على إبادتنا، فإنهم يتصارعون معهم على سيادة المنطقة. وقد أكد ترامب ونتنياهو عبر العديد من التغريدات أنهم لن يسمحوا للأسد بامتلاك أسلحة كيميائية تشكل تهديدًا للكيان الصهيوني، كما لن يسمحوا لإيران بأن تتمركز عسكريًّا في سوريا. فالأمر إذن لا يتعلق أبدًا بحياة الناس في سوريا أو سلامتهم كما يدعي المؤيدون للضربة، وإنما يتعلق بأمن إسرائيل وسلامتها.

أما المعارضون فيرون ما حدث عدوانًا ثلاثيًّا على سوريا، شبيه بذلك الذي تعرضت له مصر 1956! ويبدون مخاوفهم من أن تتحول سوريا إلى عراق آخر، إذا تعاملت أمريكا مع بشار كما تعاملت مع صدام حسين من قبل، واحتلت العراق بحجة وجود أسلحة دمار شامل! ولا أدري صراحة كيف اتسع خيال هؤلاء ليتحمل كل هذا التلبيس والتلفيق، وكيف لا يرون بوضوح أن سوريا دولة محتلة بالفعل من قبل روسيا وإيران، وأن بشارًا ليس صدامًا حتى تتعامل معه أمريكا من الزاوية نفسها؛ ففرق كبير بين من دمر البشر والشجر والحجر ببواعث طائفية، وكان ألعوبة في يد أعداء العروبة والإسلام، ومن واجه كل القوى العالمية المتجبرة، وحاول أن يحافظ على شعبه في ظل حرب وحصار، إلى حد جعل كثيرًا من شيعة العراق يتندرون على أيامه. ومن ينكرون ذلك يعيشون أوهام خيالهم الراكن على محور المقاومة والممانعة، ويتناسون أن الإيرانيين الذين يحمون بشار هم من قتلوا صدام حسين -رحمه الله- بدم بارد بعد أن سلمتهم أمريكا العراق على طبق من فضة. فالعلاقة بين أمريكا وإيران تظل علاقة ملتبسة؛ فهي تحتاج إليها بقدر ما تتخوف منها، وتستخدمها شرطيًّا في المنطقة لتحجيم الإسلام السني، العدو المشترك لكليهما، الأمر الذي أدركه صدام وحاول أن يمنعه وحورب بسببه.

فصدام حسين رغم خلفيته البعثية، لم يكن معاديًا للدين؛ لأنه كان يدرك أن العروبة والإسلام وجهان لعملة واحدة، فكان ينطلق من فكر قومي عروبي إسلامي. لذلك كان على خلاف حاد ودائم مع الأسد الأب، رغم انتمائه إلى الخلفية البعثية. فشتان بين من كان مدركًا هوية الأمة، ومن كان متمردًا عليها محاربًا لها، وهذا ما جعل صدام حسين هدفًا يجب التخلص منه وقد كان، فالعبرة بالخواتيم، مهما اختلفنا معه. و«كما الأب كما الابن»؛ فبشار الأسد يسير على درب والده، وستظل أمريكا تحميه طالما ظل محافظًا على أمن إسرائيل، ومنفذًا لمخططات الغرب في المنطقة، وطالما لم تجد بديلًا مناسبًا يحل محله.

وبالرجوع إلى الضربة الأمريكية الأخيرة، أو أي ضربة أخرى محتملة؛ فعلينا ألا نبالغ أو نغالط في أهداف هذه الضربات، ونجعل أنفسنا فريسة لفريق يتوهم وينتظر أن ينصره الغرب، وفريق آخر يدعي بطولات زائفة ويرفع شعارات المقاومة والممانعة، فنجده لا يقاوم أو يمانع إلا العرب والمسلمين.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

سياسة
تحميل المزيد