من هو سلمان العودة؟

اسمه سلمان بن فهد العودة رجل من رجال أمة الإسلام، عالم مسلم من علماء المسلمين المخلصين، وداعية من الدعاة المصلحين والداعين إلى الخير، ورجل من الآمرين بالمعروف والناهين عن المُنكر، ومُفكّر من مفكري العصر، وخطيب من الخطباء النجباء، وصاحب خواطر ورقائق وشذرات تأخذ بالألباب، رجل أحبَّ الله فأحبّهُ الله فأسكنه في قلوب الخليقة جمعاء، رجل لم يُمتَحن في محنة من مِحن الأمة وكارثة من كوارِثها ونكبة من نكباتِها إلا ونجح في الامتحان وحصل على أعلى العلامات مُتمثّلة في عبارات الثناء والمدح والدعاء من عامة المسلمين.. نَعم الحي لا تؤمن فتنته، والقدوة تكون بالأموات، والعِبرة بالنهايات لا بالبدايات الجميلة والمواقف المُبهِرة، ولكن سيدي وحبيبي سلمان بن فهد العودة لا يستحقّ منّا حتى الآن إلا كل الحب والاحترام والتقدير ما لم نر منه العكس.

ما هي الصحوة الإسلامية وعلاقته بها، وإنجازات هذه الصحوة ونفعها للأمة؟

كان سلمان العودة رجلًا من رجال ما يُسمى بالصحوة الإسلامية في السعودية، وهي حركة فكرية ذات مرجعية إسلامية نشأت في ثمانينات القرن الماضي، وكان قيامها أثناء الغزو السوفيتي الكافِر لأفغانستان المسلمة، فأنتشروا بين العوام وحثّوا المُسلمين على الجِهاد في جميع بقاع الأرض في داخل بلاد الحجاز وخارجها، شحذوا الهِمم مبينين فضل الجهاد على الفرد المسلم، وأثره عليه في الآخرة مُسترسلين في حديثِهم عن الحور العين، وقصص قادة المُسلمين المُجاهدين ومنهم قصة ابو أيوب الأنصاري الذي كان يقول من حبه للجهاد: «قال الله تعالى انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» «لا أجدني إلا خفيفًا أو ثقيلاً» وكان من صحابة رسول الله وهمَّ للجهاد وعمره جاوز التسعين عام وتوفّي على أبواب القسطنطينية في جيش يزيد بن معاوية، ووصّى أن يتم دفنه عند أسوارها، فحشدوا أبواقهم وأطلقوا صافِرات الإنذار ورفعوا رايات الجِهاد للنفير إلى أرض الجِهاد بأفغانستان، ودعّمتهم المملكة آن ذاك كل الدعم في عهد الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، كما لقى تيّار الصحوة ثناءً من فحول علماء أمة الإسلام وثِقاتها المعروفين والمشهود لهم بعِلمهم الذي عمّ أرجاء العالم الإسلامي وقتها كابن باز وابن عثيمين.

امتحان الصحوة الإسلامية في زمن الإبتلاءات في تسعينات القرن الماضي

كتب الله لهذه الصحوة القبول في الأرض ولمشايخها الجرأة والجسارة والشجاعة للصدع بكلِمة الحقّ في وجه الحاكم الجائر وسياسته، تم امتحانهم في تسعينات القرن الماضي ونجحوا في امتحانهم فنجحوا فيه بجدارة، وإعتقلتهم المملكة على إثر انتقادهم لها في علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية.. وكان من بين معتقلي الرأي سيدي سلمان.

امتحان الصحوة الثاني ليميز الله الخبيث من الطيب

وفي عام 2017 تم امتحان الصحوة مرّة ثانية وتعرضت للتمحيص ليميز الله بها الخبيث من الطيب، وينقّيها من الشوائب التي شابتها حتي لا يختلط الصالح بالطالح، والحابل بالنابل.. فوالله لولا الشدائد لما ظهرت معادن هؤلاء الرجال والعلماء، فهي الشدة أكرم بها، حلّت أهلًا ووطئت سهلًا لتقول لنا من صادق ومن كاذب، ومن على حق ومن على باطل، ومن مخلص ومن مُرائي، منهم من نجح في هذا الإختبار ومنهم من رسب، وسيدي سلمان كعادته ورفقته الصالحة مثل عوض القرني وعلي العمري ثابتين على الحقّ أشدّاء على الباطل.

ومن رسبوا في الامتحان هذه المرة من مشايخ الصحوة وعلماءها كان الشيخ عائض القرني.. نشأ أغلبنا على خطبه وشرائطه، وبرامجه المسموعة والمرئية، لا تجد سيارة ليس بها شريط لعائض القرني، ولا دكّان لا يُشّغل خطبه، حتى سائقي سيارات الأجرة والحلّاقين كانوا يعرفون الرجل ويعرفون خطبه، والآن وقد تبدل كلّ شيء ظهر الرجل في برنامج من البرامج معتذرًا عما أمضاه من عمل يزيد عن 30 عام دعوة إلى الله في خدمة العِباد وربّ العباد، معتذرًا عن صحوته التي كانت ضد السوفيت، معتذرًا عن شحذه لهِمم المجاهدين في أرض الأفغان، منتقدًا تيّار الصحوة مُتبرأ منه، مُبرِزًا سلبياته التي كان يراها في أول الأمر إيجابيات وهي العناية المُفرطة بالمظهر كإعفاء الحية وتقصير الثوب تاركًا جوهر المؤمن، وهذا والله عين الكذب والتدليس والقول بما لم يحدث، مُتهمًا التيّار بالتشدد المُخالف لكلام الله وسنة رسوله والبعد عن سماحة الإسلام، وقال أنه مع الإسلام الوسطي الذي نادى به وليّ نعمته الدب الداشر ابن سلمان، وأنه على دينه.

وبذلك فيكون القرني بكلامه أنقذ رقبته من مقصلة ابن سلمان وبطشه الذي نال رفيق دربه القديم في الدعوة إلى الله وسنّة نبيه وأذعن له بالسمع والطاعة وانه على دينه الذي يدعو له.

فلِماذا الحزن على سيدي سلمان؟ هذه سنّة الله يا رِفاق، وهذا زمن إبتلائات، والقوي فينا من استمسك بدينه وقبض على جمره وصدع بكلمة الحق.

ولنا في سيرة فخر الكون والكائنات ونور البشرية وضيائها سيرة رسولنا صلى الله عليه وسلم آية، فهؤلاء قومه حاصروه في شعاب مكة، وعذّبوا أصحابه، ونكّلوا به وبمن يعرفه، ونبذوه، وهجّروه، وتربصوا به وبمن معه، وحاربوا دعوة الإسلام بالسيف لا بالفكر والعقل والمنطق، ولكن ماذا حدث ومن صمد؟ اندثرت عبادة الأصنام وأنارت شمس الإسلام ربوع العالم، ورفرفت راية التوحيد من السند والهند وبلاد ما وراء النهر حتى بلاد المغرب العربي، «إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع، حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح و كتبت لها الحياة» ولكن مع الأسف هذه عقول الطواغيت، لا تعرف إلا الهرّاوة وضرب السياط والحديد والنار، وما دون ذلك فإن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلًا.

وبعد مرور أكثر من 30 عامًا على إنشاء تيّار الصحوة ومع صعود الدب الداشر ابن سلمان لسلم السلطة بدأ عصر جديد لمملكة آل سعود، عصر من الترف والمجون، عصر فتن، عصر موبِقات على أطهر بقاع الأرض، عصر خلاعة، عصر تجد فيه الكاسيات العاريات في شبه الجزيرة العربية المعروف عنهم بالرجولة والحمية والغيرة على الإسلام يلتحفون بعلم المملكة المكتوب عليه لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله بأجسادهم العارية، أصبحت بلاد الحجاز أرضًا لحفلات الشياطين الغنائية، وأدخلوا شياطين الأنس من أبوابها الأمامية.

شخص قاتل أرعن مائع ومتعجرف، لا تكاد ترى وجهه إلا وتبادر إلى ذهنك كل مشاهد الشر، شخص تراه ولا تجد في نفسك حاجة أكثر من حاجتك إلى البصق في وجهه، يحمل إبتسامة شيطانية تجعلك تَقُل بعدها: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أعوذ بالله من غضب الله»، أو كأنك داخل إلى قضاء حاجتك فتَقل «أعوذ بالله من الخبث والخبائث»، لا تجد أحدًا يحبّه من عامة المسلمين إلا الأفّاقين والمُدلسين والخنازير الذين يبيعون دينهم بزهيد المال وإن كثر.

حوله ثُلّة من مختلّين الذمّة والكذّابين من السياسيين وعلماء الدين الذين يسوغون الشرع ليتناسب مع جرائمه وأفعاله الشنعاء.

شتان بين رجل مشهود له بحسن الدين وخلقه الجمّ وذكر مذموم مشهود له بجرائمه وآثامه، شتّان بين رجل خدم العباد ورب العباد وبين ذكر خدم الكفّار في الغرب، شتان بين رجل تعلّق بلا إله إلا الله محمد رسول الله وذكر تعلّق بذيل الكفار، هذا هو الفرق بين الحق الأبلج والباطل اللجلج، فاللهم أرنا الحق حق وأرزقنا أتباعه وأرنا الباطل باطل وأرزقنا أجتنابه، وأجعل صحبتنا ورفقتنا كلها كسيدي سلمان رجال نعرفهم بالحق، ولا ترنا وجوه الأبالسة كابن سلمان ومن على شاكلته في الدنيا والآخرة.

ولا أجد كلمات أختم بها المقال غير هذه الكلمات لسيدي وحبيبي الشيخ سلمان العودة: «أي منصب هذا الذي تدخله خانتك من الأرقام صغيرة وتتركه وأنت تحمل على ظهرك خانات طويلة؟ أي قانون هذا الذي لا يسأل عن الذمّة المالية للمسئول ويترفّع عن سجن الفاسد، ولا يعيد أذن الجمل الذي أخذها، أي وطن، أي شعب، أي إعلام هذا الذي يستلذ لحفلة شواء لمختلسين صغار ويكرم بجاعته المضخمة، أي هيئات تلك التي تطارد فرائسها السمان من المكاتب الفاخرة، أي ضمير هذا الذي يساوي بين مجتمعٍ -ي الغرب – صارم يطيح بالكبار، ويطاردهم في المحاكم، ويجعل منهم كائنات منبوذة، وبين مجتمعٍ – يقصد الشرق – يُلبِسهم البِشت باسم الله أو الوطن أو الشعب.. من أين لك هذا المنصب وهذا الكرسي الطويل؟ من أين لك هذه الثروة وهذه الأساطيل؟ من أين لك هذه الشركات وتلك الأبراج؟ من أين لك هذا القلب الذي رمى مجتمعات تحت خط الفقر وأبقى لك منتجعاتك الفاخرة هناك؟ من أين لك هذه المساحات التي دفنت فيها مقدِّرات وطن تحت هواياتك؟ من أين لك هذا الاسم الذي جعلك تتجاوز قدراتك بمراحل وهذه الحظوة التي جعلتك في الصف الأمامي؟ وفي الليلة الظلماء تُفتَقد من أين لك؟».

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد