تَمثَّل عمر الصايم في روايته «أزمنة الصرماتي» بشخوص عائلة عبد القادر الصرماتي العجوز لينثر ثيمات الرواية عبر توزيع اعتمد خطين في الحقل الدلالي؛ خط زمني معاصر يجمع عدة أجيال في عائلة الصرماتي أسند فيه الصايم السرد للشخوص بين حاضرهم وماضيهم، وخط نثر فيه اتجاهات سياسية متعددة لذات الشخوص. بحيث أن كل شخصية تمثل جيلًا وتوجهًا ما. وربما راق أن تعنوَّن الرواية بأزمنة الصرماتي لاعتماد هذه البنائية في سرد أحداث عائلة الصرماتي.
سُميَّ الصرماتي بعبد القادر تيمنًا بعبد القادر ود حبوبة المناضل الذي أعدمه الإنجليز إبان استعمارهم السودان بالجزيرة. بدأ الصايم روايته بفصل اسماه «بزوغ متأخر» ومنه أمسك بخيط رغبة الصرماتي في الزواج – للمرة الثالثة – إلى آخر الرواية. مما استدعى مشابهة سرد هذا الزواج لرواية «عرس الزين» للطيب صالح، بما أحدثه زواج كلًا منهما – عبد القادر والزين – من ضجة.
في استعادة الصرماتي لذكريات زيجتيه السابقتين ما يشير إلى أنه لا يتزوج إلا بطريقة ثورية، ففي الزواج الأول تزوج بتول الفتاة التي وطأها معظم أفراد المسيد الذي كانت فيه، وأنجب منها عاطف. وفي الزواج الثاني تزوج بخيتة في المحكمة سترًا لها وهي تقدِّم قضيتها ضد الفرَّان الذي غرر بها وحملت منه. أما زواجه الثالث فكان من طبيبة الأسنان التي رممت فمه وهو في أرذل العمر.
تبرز شخصية عاطف الابن الأكبر للصرماتي كشخصية انتهارية ومتسلقة منضوية في الحزب الحكومي، لتصل فيه إلى أعلى الدرجات، درجات الثراء الحرام والغنى الفاحش ودعم التسلط والقهر السياسي لتمكين مصالح أعضاء الحزب. ثم لم تلبث أن تداعت إمبراطورية عاطف أمام عينيه إثر ثورة ديسمبر. الوصف الذي شاب السرد في تفاعل عاطف مع تداعيات الثورة رفع من القيمة الفنية للرواية لبراعة التخطير الوجداني الذي صاغه الصايم مُسندًَا إلى عاطف، وأبرز مدى تأثر أمثال تلك الفئة على المستوى الوجداني، ومنظورهم للشعب الذي قال كلمته ضد الاستغلال والانتهازية.
رقية بنت عبد القادر الصرماتي من زوجته الثانية، الأخت الصغرى لعاطف، كانت تقف على النقيض من الطرف الذي يمثله عاطف، فهي وزوجها انتميا لحزب يساري يهتم بقضايا المسحوقين والمطحونين منذ أيام الدراسة. وهذا من أسباب خلافاتها المستمرة مع عاطف. اغتربت مع زوجها الذي عمل ديبلوماسيًا مُبتعثًا إلى أوروبا بعد تسلقه من اليسار لينضوي أيضًا مع الحزب الحاكم. ولم يرجعا إلا عند بلوغ ابنتهما كارمن المرحلة الجامعية.
كارمن التي جاء بها والداها إلى السودان للدراسة الجامعية تم تسجيلها بجامعة خالها عاطف، البروف. وما غيّر مجرى حياتها كان تحرش خالها بها في مكتبه بالجامعة، فانتظمت في تنظيم «داعش» وارتدت النقاب الذي فاجأ أهلها، عدا خالها عاطف. وسرعان ما سافرت إلى الشام للالتحاق بالتنظيم، ورجعت بعدها وهي تحمل بين يديها طفلها الذي انجبته من مقاتل «داعشي».
تزامنت عودة كارمن بطفلها مع رحيل عبد القادر الصرماتي بعد أن أنجب من زوجته الثالثة أيضًا. فكأن الصايم أراد أن ينهي الرواية بإضافة إلى أزمنة الصرماتي تُستكنه من إنجابه في أرذل العمر، وإنجاب حفيدته في ميادين حرب «داعش».
عناصر الرواية من لغة وأحياز وشخوص تمت سقايتها بخيال خصب، واللغة عند الصايم هي الأبرز في جمالية الرواية أكثر من بقية العناصر فبها يمسك قارئه ويشدُّ اهتمام قارئه من أذنيه.
التعدد في الاتجاهات السياسية لعائلة الصرماتي بين السلطة الإخوانية المتسلطة واليسار المعارض والجهادية الإسلامية الممثلة في «داعش»، هذا التعدد يعدُّ توزيعًا يكاد يشمل مؤثرات مغروسة في الساحة السياسة الشرق أوسطية باختلاف المحليات، مما يجعل للرواية امتدادًا يلامس بيئات أُخرى غير البيئة السودانية.
هنالك هنات قد لا تكون منظورة بخصوص المعلومة الطبية في فحص الـ«DNA» الذي أجراه عاطف ورقية ليحسما مسألة بنوتها لعبد القادر، حيث ذكر الصائم في نتيجة الفحص إثبات نسبهما، وأن جيناتهما خليط من قبائل وسط وغرب السودان. والصحيح أن فحص «DNA» لإثبات النسب يكون من خلال فحص عينات الأب والأم. أما الفحص لإثبات السلالة البشرية فيكون بمئات العينات تؤخذ من قبائل الوسط، ومن قبائل الغرب، ومقارنة جينات المعنِّي بناءً على العينات القبلية المأخوذة. والكمال أبى أن يكون إلا لله فالرواية موفقة لغةً وفكرةً، وفي سردياتها تشويق محبب.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست