خلال الشهر الجاري تضاربت الأنباء حول فقدان القمر الصناعي المصري EGYSAT 2 وسط محاولات تكتم معتادة من السلطات المصرية وغضب أو سخرية من المتابعين.
ورغم الاستنتاجات الواضحة من قراءة هذا المشهد كفشل الهيئات المصرية المتكرر خصوصًا بعد فقدان القمر الصناعي EGYSAT 1 في 2010، إلا أن القصة لا زالت تحتوي على تفاصيل أكثر، وربما مفاجآت سنتعرض لها.
قبل إطلاق أي قمر صناعي إلى الفضاء يبذل المصممون والعلماء كل الجهود الممكنة خلال مراحل التصميم والاختبار والتصنيع لتلافي أي حوادث أو توقع أي مشاكل قد تحدث له نظرًا للتكلفة الباهظة لهذه الأقمار وللقيمة العالية للتكنولوجيا والمجهود الكبير المبذول فيها. إلا أن الحوادث والأخطاء أمر وارد وقوعه في مجال الفضاء والأقمار الصناعية كأي مجال آخر.
بالنسبة لواقعة فقدان الاتصال مع قمر صناعي على وجه التحديد فهي حالة ليست نادرة الحدوث. في عام 2011، فقدت روسيا الاتصال مع قمر الاتصالات الأوروبي AM4 وذلك بعد فترة قصيرة من إطلاقه. وفي عام 2012، فقدت هيئة الفضاء الأوروبية الاتصال مع القمر الصناعيENVISAT . نظرًا لعدم وجود أي وسيلة تواصل مع الأقمار فإن العوامل التي أدت إلى قطع الاتصال تظل مجهولة في أغلب الأحيان.
رغم ما سبق فإن حالة القمر الصناعي المصري EGYSAT-2 قد تعتبر حالة خاصة لأسباب عدة سنذكرها بالتفصيل بعد أن نلقي نظرة سريعة على أقمار مصر الصناعية.
نايل ساتNILESAT
في أول محاولات مصر لدخول عالم البث الفضائي في عام 1998 تم إنشاء شركة نايل سات. هي شركة تمت إقامتها بالأساس لإدارة القمر الصناعي المصري الأول المستخدم للاتصالات والبث التلفزيوني Nilesat 101، حيث قامت الشركة الأوروبية للطيران والفضاء والدفاع EADS (حاليًا تسمى مجموعة إيرباص) بتصنيع القمر وإطلاقه عبر صاروخ آريان المملوك لنفس الشركة كما قامت الشركة بإنشاء محطتي التحكم الأرضي للقمر الصناعي (الأساسية في القاهرة والفرعية في الإسكندرية).
لم يواجه مشروع نايل سات أي مشاكل تقنية تذكر طوال فترة عمله حتى تم إنهاء مدة خدمته نهاية عام 2013. تلا إطلاق هذا القمر سلسلة أقمار بنفس الاسم NileSAT تحت الأرقام 102, 103 , 201 جميعها تم تصنيعها وإطلاقها بواسطة نفس الشركة EADS، ويتم التحكم فيها من نفس محطتي التحكم في القاهرة والإسكندرية بالإضافة إلى محطة تحكم أسوان، ولم تواجه هذه الأقمار أي مشاكل حتى الآن.
إيجيساتEGYSAT
عام 1994، بدأ تطوير الهيئة القومية للاستشعار وتغيير هيكلها الأساسي ونشاطها ليشمل علوم الفضاء وتم تغيير اسم الهيئة لتصبح الهيئة القومية للاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء NARSS. أطلقت الهيئة بعد ذلك مشروعًا يهدف إلى امتلاك قمر صناعي مصري يقوم بوظيفة المراقبة الأرضية باستخدام كاميرات وتقنيات تصوير ذات جودة عالية وهو نوع من الأقمار تستخدم لأغراض علمية وعسكرية على حد سواء. لكن واجه الموضوع تعثرات متتالية لأسباب متعددة منها غياب التمويل والكوادر الفنية القادرة على إطلاق مشروع كهذا خاصة وأن أغلب المتخصصين المصريين في هذا المجال يعملون خارج مصر.
القمرEGYSAT-1
تم طرح مناقصة لتصنيع القمر الصناعي المصري الأول لغرض المراقبة الأرضية في عام 2000، وتقدم لهذه المناقصة شركات من دول أوكرانيا, إنجلترا, روسيا, كوريا الجنوبية، إيطاليا، ومن ثم فازت شركة يوجوني الأوكرانية بالمناقصة على أن يكون جزءًا من الاتفاق تدريب 50 مهندسًا وفنيًّا مصريًّا على عملية التحكم في الأقمار الصناعية حيث يتمكن العلماء المصريون من التحكم في القمر دون الاعتماد على الجانب الروسي- الأوكراني.
في عام 2007، اكتمل تصنيع القمر EGYSAT-1 وهو قمر يعتبر من فئة الأقمار الصناعية صغيرة الحجم (أقل من 100 كجم) وتم إطلاقه في 17 أبريل من قاعدة بايكونر في كازاختسان على متن صاروخ الإطلاق الروسي دنيبر.
رغم وصول القمر إلى مداره بنجاح إلا أنه واجه مشكلات عدة منذ اليوم الأول فالكاميرات العالية الدقة القادرة على إرسال صور بدقة مساحية تبلغ 7.8 متر مربع لم تعمل بدقة كافية في أغلب الوقت، وكان القمر قادرًا فقط على إرسال صور بالأشعة تحت الحمراء. انتهت رحلة القمرالمضطربة أصلًا نهاية مأساوية مع ذلك حيث تم فقد الاتصال به تمامًا في يوليو 2010، وأعلنت هيئتا الفضاء المصرية والأوكرانية ذلك بشكل رسمي في أكتوبر من نفس العام، ولم يتضح حتى الآن أسباب فقد الاتصال بالقمر قبل عامين كاملين من العمر الافتراضي لمهمته. تلا هذا الفشل تغييرات واسعة في هيئة الاستشعار وعلوم الفضاء شملت إقالات بالجملة وتعيين قيادات جديدة بالهيئة.
في تعليقها على فقدان الاتصال بالقمر تقول صحيفة جيروزاليم بوست العبرية إنه رغم تصريحات السلطات المصرية أن القمر الصناعي هو لأغراض البحث العلمي إلا أن القدرات العالية للكاميرات على القمر الصناعي تجعل منه مناسبًا لاستخدام مدني عسكري مزدوج على أحسن تقدير.
كشفت هذه الحادثة عن قصور لا تخطئه العين في القدرات التقنية المصرية في مجال الفضاء، فعلى سبيل المثال القدرة على تغيير مسار القمر أو تغيير مداره بالإضافة لتحميل الصور التي يلتقطها القمر عند مروره في مجال محطات الاستقبال المصرية كلها مهارات أساسية للتحكم في أي قمر صناعي لم يستطع المصريون بعد القيام بها باستقلالية ولهذا اعتمد العمل دائمًا بشكل جزئي على الشريك الأوكراني فيما يضع علامات استفهام حول الفرضية بأن القمر كان يستخدم لأغراض عسكرية، وعن كيفية إتاحة تدخل دولة أخرى في إمداد مصر بمعلوماتها العسكرية.
القمر 2EGYSAT-
حادث 2010 لم يوقف المحادثات الجارية حول تصنيع قمر صناعي مصري ثاني لنفس الأغراض، حيث تم توقيع عقد بين الحكومة المصرية وشركة أنيرجيا الروسية. القمر 2EGYSAT- تم تصنيعه وتجهيزة بتكنولوجيا روسية تستخدم للمرة الأولى من خلال محركات كهربية تعمل بغاز الزينون وكاميرات تصل دقتها المساحية إلى 1 متر مربع جعلت الوكالات الروسية تصنفه صراحة كقمر تجسس. التكنولوجيا الفائقة المستخدمة على القمر جعلت ثمنه حوالي 40 مليون دولار أمريكي (حوالي 300 مليون جنيه مصري) تقول بعض التقارير إنها من خزانة وزارة الدفاع المصرية، وقد تضمن العقد شروط مثل أن يكون 60% من مكونات القمر الصناعي صناعة مصرية.
في أبريل 2014، تم إطلاق القمر الصناعي على متن الصاروخ الروسي الشهير سويوز من كازاخستان وبدت كل الأمور على ما يرام في هذا الوقت حتى يوم 14 أبريل 2015، عندما أعلنت شركة أنيرجيا أن القمر لا يستجيب للأوامر الموجهة إليه من مركز التحكم ونشرت الصحف الروسية نقلًا عن الشركة تلك الأخبار. إلا أن السلطات المصرية سارعت ونفت.
بعد أسبوع من محاولات التكتم اعترفت جميع الأطراف بما يبدو أنها الحقيقة. حيث تقول الرواية الروسية الرسمية حتى الآن إن الاتصال لم يفقد مع القمر كما أنه لم يخرج عن مداره، لكن حدث عطل جعل القمر لا يستجيب للأوامر الموجهة له من مركز التحكم في القاهرة أو في روسيا.
إذا جنبنا الحديث عن القصور الذي لا يمكن تجاهله خصوصًا بعد حادث إيجيبت سات 1 في الجانبين المصري والروسي، وعلى الرغم من أنه كما أسلفنا فإن أسباب انقطاع الاتصال بالأقمار الصناعية تظل أحيانًا غير معروفة، إلا أن هذه الحالة الخاصة من معرفة مكان القمر والقدرة على استقبال الإشارات الصادرة منه لتحديد موقعه ما يدل على أن هوائياته وأنظمة الإرسال والاستقبال سليمة قد دفعت البعض إلى تبني نظريات مثل احتمالية قرصنة القمر. هذه الفرضية في الحقيقة ليس من وسيلة لإثباتها أو نفيها الآن، ولكن ربما يكون خاتمة مناسبة لهذا المقال ما قاله الباحث في تكنولوجيا الفضاء في جامعة تل أبيب تال جيكل تعليقًا على فقدان الاتصال بالقمر الصناعي إيجيسات 1 مع العلم أن الدولة العبرية تمتلك 7 أقمار تجسسية (معروفة في مدارها الآن) جميعها صناعة محلية:
“هناك دول عديدة تريد أن تصبح من أعضاء نادي الفضاء، لكن قليلًا جدًا منها لديها القدرة الحقيقية على الانضمام لهذا النادي”.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست