استيقظت صباح يوم الاثنين الماضي فزعًا على صوت والدي مرددًا: لا حول ولا قوة إلا بالله. رددها كثيرًا بنبرة متقطعة حائرة وملامح تفيضُ بالغضب والحزن.
التفتُ مباشرة إلى شاشة التلفاز، فصدمت بمشهد ـ هو ولا شك الأكثر وحشية في حياتي حتى الآن ـ حقيقي ضحاياه هم أطفالنا، يفوق أكثر مشاهد أفلام الرعب في هوليود بشاعة ووحشية، جثث أطفال متراصة ـ أعمارهم تتراوح بين 5 إلى 12 سنة تقريبًا ـ ماتوا من جراء الاختناق بغاز السارين السام الذي تلقيه طائرات النظام السوري، غاز محرم دوليًا تستخدمه قوات النظام السوري تحت نظر العالم كله.
والخبر أسفل المشهد المرعب في شريط العاجل يقول: مقتل 100 مدني في قصف لطائرات النظام على خان شيخون بريف إدلب.
لم أتحمل كثيرًا، حولت عيني عن الشاشة، نظر إلي والدي، وقال في ألم: أسر بالكامل ماتت مختنقة من جراء هذا القصف!
تساءلت: ماذا فعل هؤلاء الأطفال ليقابلوا بهذا الكم من البشاعة والدموية؟ أعتقد أن لحظة القصف كان أحدهم يركل كرة في حائط منزله وينتظر عودتها، يفعل ذلك ويكرره مرارًا حتى شعر باختناق مفاجئ في اللحظة التي تناول فيها كرته من الأرض، كان ينوى أن يكرر ما يفعل لساعات حتى موعد الغداء على الأقل، لكنها كانت المرة الأخيرة. سقط على الأرض جثة هامدة وبجانبه الكرة، على بعد أقل من ١٠٠ متر سقط أخوه الأكبر مختنقًا أيضًا كانت والدته قد أرسلته ليحضر لها ما تحتاج لإعداد طعام غداء لن يعد؛ لأن والدته هي الاخرى سقطت من جراء القصف وطفلتها الصغرى التي ظلت متعلقة بكراستها وأقلامها الملونة حتى اللحظة الأخيرة. سيناريو مناسب لقتل عائلة كاملة وهي تمارس حياتها اليومية!
المشهد في سوريا بات غريبا جدًا أشبه بحلبة مصارعة اتفق المتصارعون فيها أن يقتلوا المشاهدين؛ لأنهم لايريدون المشاركة والاستمتاع بالقتال والدم، لا أعرف لماذا يقتل الأطفال الأبرياء، بالرغم من أنهم لا يرجحون كفة أي طرف ، وليس لهم قيمة في تلك الصراعات العسكرية البشعة؟ لماذا لا يتحرك العالم ليجنب الأطفال ويلات تلك الصراعات؟
هل يكره العالم الأطفال؟ أم أن كبار العالم الحديث اختصوا أطفال سوريا بهذا الكم من الكراهية؟ إذا استمرت الأمور فترة أطول على هذا النحو، فعلى العالم أن يستعد لتحمل التكلفة كاملة.
من الطبيعى أن تحركنا أخلاقنا وقيمنا الانسانية لحماية الأطفال أما اذا كان العصر هو عصر المادة و المصالح، ولا مكان فيه لأخلاق أو قيم إنسانية، فلتحركنا – على الأقل – المصلحة والخوف على أنفسنا، ملايين المسوخ التى لا تعرف حرمة للدم ولا للإنسان على وشك الظهور ومبرراتها حاضرة، أجيال نشأت فى ظل هذه المجازر البشعة لو قررت الانتقام لتحولت إلى مفخخات قادرة على أن تحيل الكوكب برمته إلى كرة من نار.
أمر منطقى محسوم، سنين التجهيل والفقر والديكتاتورية، أنتجت ما يحدث الآن، فماذا يمكن أن تنتج سنين من الحرب والقتل والدمار؟ في المشهد الأخير من فيلم logan للعبقرى هيو جاكمان رسالة ضمنية للعالم، تقول: أنقذوا الأطفال!الأطفال هم المستقبل فاصنعوا مستقبلًا أكثر إنسانية، جنبوهم ويلات الحروب، اسقوهم خيرًا ورحمة يكن العالم أفضل. إذا كان الإنسان حقًا هو محور هذا العصر. اذا كانت الحياة حقًا مكفولًا فعلًا. إذا كان العالم يريد مستقبلًا أكثر إنسانية وسلامًا، عليه أن يتحرك مسرعًا لإنقاذ الأطفال، أنقذوا الأطفال، فلم يعد يتبقى من الوقت الكثير.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست