إن الحياة مليئة بالتساؤلات، وإن لكل تساؤلات جواب، فلولا السؤال ما كان العلم، وإن السؤال يعصف الذهن فكرًا، وإن لنا لأشواطنا في هذا الفكر، وفي هذا التفكير المفرط، وإن لنا لأسئلة أتت علينا ليلا، حيث مودع السكينة والهدوء، ومقبل النوم، ومسعى الراحة، ولكننا نضع لأنفسنا أسئلة، ليلا تأتي علينا – كما قلنا – تجعلنا نتدبر في خلق الله – سبحانه وتعالى – لعلنا نستوفي جزءا من الذين يتفكرون في خلق السماوات والأرض، ولعلنا نؤكد أن الله ما خلق هذا باطلا عبثا، إنما نقول أنه خلقه صدقًا حقًا، وكما أن هذه الأسئلة إيجابية تأخذنا إلى مبحث الجد والفكر السليم، فإن هناك أسئلة سلبية نوعًا وأمرًا، تلك الأسئلة التي تأخذنا إلى عالم خفي، خفي من نوعه، خفي من حدوده، حيث لا بد له من نهاية حتمية!، وأيضًا، من ضمن هذه الأسئلة، تلك التي نسأل فيها: «من خلقنا؟!»، وحتما، لا بد أن تكون الإجابة علي ذلك السؤال قطعًا بلا شك: «الله!».
ولكن كما إننا لا بد وأن نسأل، وأن نتدبر، أيضًا لا بد وأن نضع حدودًا لتلك الأسئلة، لأن هنا الخط النهائي، هنا الحد الأخير الفاصل، هنا لا بد وأن نسكت عن الكلام صمتًا، ونقف عن التفكير أمرًا، ولقد حد الله حدا، لا بد منه قطعًا وإجبارا!، ذلك الذي يقلل من علمنا، مهما أوتينا منه، لنحقق بذلك أمرا قرآنيا، بأننا ما أوتينا من العلم إلا قليلا!، ولنا في الآتي سرده لا حصره، وبسطه لا قبضه، موضوعنا بخصوص أمر، نغص علينا فكرا وتفكيرا، كثيرا، عن أمر الروح، ونضع ونستطرد سويًا تلك الأسئلة البديهية، التي أتتنا كثيرًا، ونتفق – سويًا – على أمر حزمها بشكل مجز.
هل الروح هي الدم؟!
الأمر ليس مجرد الإجابة القطعية المعروفة دائمًا «لا»، وإنما نستنتج – سويًا – ما يصح بأن نقوله مما توصلنا إليه – ونحن نفكر بشكل شخصي في الأمر، ليلا، دون اللجوء لشيء – أولا، معروف أن الدم يجري في العروق!، فلولاه ما حيينا!، ولو افترضنا – سويا – أن الروح هي الدم – كما ظننا في بادئ الأمر – ولكن، الإنسان معرض للجرح، حيث عندما يجرح، يخرج منه دم!، أي أن الدم لا بد أن يكون هناك فتحة، أو طريق يخرج منه إلى خارج الجسم – جسم الإنسان – ومعروف – أيضًا – أن الروح – أطال ربها، وعالم أمرها أعمارنا في خير ما حيينا له وبه – إذا بدأت في الخروج تدريجيا إلى خارج جسم الإنسان، لا بد وأن يبدأ في الاحتضار، ثم الموت!
ومن هنا – كما ظننا – نقول أن الإنسان معرض للجرح، وتتفاوت الجروح حجما، فمنها، البسيط الرقيق، والمتوسط الدقيق، والغائر العميق، أي إذا جرح الإنسان، وفرضا أن الروح هي الدم، إذا سيموت الإنسان بمجرد خروج الدم من هذا الجرح، أي كان نوعه حجما، رقيقا، دقيقا، عميقا، أليس كذلك؟!، ولكن، الإنسان – كما قلنا – يجرح دوما وليس دائما!، فلماذا لا يحتضر حانها؟! ولكن، نسأل سؤالا آخر نقيض هذا الفرض السابق: «عندما ينخفض دم الإنسان، لماذا لا يموت إذا كان الدم هو الروح؟!»، وأيضًا: «هل إذا مات الإنسان، واحضرنا له نقل دم مكتمل تماما، هل هذا سوف يعيده للحياة؟!»، إذا فإن الفرض الأول عكسي تماما لهذه الأسئلة!، والمنطق يقول: «لا يجتمع ضدان في آن واحد!»، أي لا يجوز أن نقول: «أن النور متقد ومطفئ أيضا في نفس الآن الواحد!».
فهنا سنقول بأن هذا جنون، أو ربما ارتياب، لذا نقول – كما قلت وحدثت نفسي مقنعًا إياها – أن أمر الروح هي الدم، أمر بالطبع «لا»، وليست «لا» تأكيديا، وليست «لا» ترجيحيًا، فأمرها من أمر ربي!، ولا يعلم ماهيتها، وطبيعتها، سوى من أمرها بأمره، فعالم أمرها أعلم.
هل الروح هي الهواء؟!
ليس الهواء عامة، وإنما هواء النفس، الذي نتنفسه ونخرجه، شهيقًا وزفيرًا، ولنا مع نفسنا مراودة بسيطة، لقد كتمنا نفسنا «من ناحية الأنف والفم»، إلى مدة قصيرة مناسبة، حيث تحملنا!، فإذا بنا نشعر بضيق، وشدة في التنفس بعدما صرفنا يدنا عن «الأنف والفم»، ومن هنا، نقول سائلين: «هل الروح عي النفس؟!»، وأيضًا: «هل سبب شعورنا بالضيق والشدة التنفسية، هي كتم قابلية الروح في أخذ حيزها؟!»، إذا، أليست الروح هي النفس «الهواء الذي نتنفسه»؟!، الله أعلم!، ولكن، لماذا عندما يحتضر الإنسان يضيق صدره ولا يشعر بتنفس طبيعي؟!، ولكن، دعونا نقف عند هذا الحد، لأن السؤال الذي يدور في ذهننا الآن، قد يوقع كثيرًا في أمر من الجدل والشك!
فلا داعي للجدل إذا، ونعود بكم إلى استنتاج صحة من عدم الفرض السابق، في أن الروح هي النفس «الهواء الذي نتنفسه»، وهو، أن الإنسان إذا مات، هل إذا أدخلنا به هواء، سوف يحيي مجددا؟!، الإجابة القطعية الفعلية، التي لا شك فيها: «لا»، إذا فإن النفس الداخلي، الذي نفترض أنه الروح، ليس مثل النفس الخارجي «الهواء، الذي ندخله فيه»، إذا فإن الروح، أليست هي النفس «الهواء الذي نتنفسه»؟!، أم لا؟!، ولكن فرض أن الروح هي النفس «الهواء الذي نتنفسه»، فرض قد نراه – وخلقنا أعلم – شبة صحيح، فلا هو، بالصحيح المؤكد، ولا بالخاطئ المؤكد، فأمرها من أمر عالمها، فعالمها أعلم.
هل الروح هي الماء؟!
إن الماء عصب مهم من أعصاب «أمور» الجسم، فلا هو بالهين على الجسم أن يفقده، فلا يهون على أم ترك رضيعها!، فالماء أصل كل حي، وكل جماد، وكل صنف أساسي، أو غير أساسي، ونستند بذلك إلى قول الله: «وجعلنا من الماء كل شيء حي»، ومن هنا السؤال: «هل الروح هي الماء؟!»، مع العلم بأن الإنسان إن أقلع عن شرب الماء لفترة مقبولة، مثلا يومين، سيموت ببطء!، أليس كذلك؟!
ومن هذا الفرض نستنتج سؤلا نقيضا، وهو: «هل روح الإنسان مثل روح الحيوان؟!»، فإن كانت الإجابة «نعم»، فإن فرضنا السابق «خطأ تقريبا!»، تقريبا، وليس قطعا، لأننا لا بد أن نتخذ «الجزور» مثلا، فإن الجزور «الجمل»، يستطيع العيش أشهر وأشهر، بدون ماء!، وكيف يموت إذا، وروحه هي الماء؟!، أليس صحيحا؟!، وإن كانت الإجابة «لا»، فإن هذا الفرض شبة صحيح، فلا هو بالصحيح المؤكد، ولا بالخطأ المؤكد، وهل «العرق» ماء؟!، بالطبع «نعم»، إذا، فلماذا لا يموت من يعرق بشدة؟!، ولماذا لا نشعر بخروج الروح تدريجيا في الحر؟!، ومن هنا، نرى تناقض واضح في ذلك الفرض، فالمنطق يقول: «لا يجتمع ضدان في آن واحد!»، ولكن نقول بأن أمرها من أمر عالمها، فعالمها أعلم.
هل الروح شيء مادي أم معنوي؟!
إن أغرب ما قد يصل إلينا من أمر الفكر المفرط، والتفكير المفرط أيضا، تلك الأمور من الغيبيات، التي قد توردنا مورد الشك!، ومن هنا، أتانا سؤال بسيط: «هل الروح شيء مادي أم معنوي؟!»، إن كل الفروض السابقة، بمثابة ماديات!، أي أن، الدم، والماء، والهواء أمور، أو، أشياء مادية، يمكن أن نمسك بها، ويمكن أن نحدد لها وزنًا، وحجمًا، وهكذا، من تلك الأمور، ولنتدبر – سويا – لو افترضنا محتضر بوزن «ستون كيلو جرام»، بالضبط، وبأدق قياس، وبعد تمام الموت، بأدق قياس أيضا، وجدنا أن وزنه «خمسون كيلو جرام»، أي أن ما خسره، ونقص منه، تقريبا «مائة جرام»، أمن الممكن أن نظن بأن «العشر كيلو جرامات» هم وزن ما خرج منه «الروح»، أم لا؟!، وهذا الفقد الكلي، ليس بالضبط وبالدقة، لأن هذا النقص والفقد، ليس بهذا الحجم، فهذا مجرد فرض نظري افترضناه، وهو صحيح تمام، لا شك إذا!
ونتذكر بذلك في هذا الأمر، فرضية «كلدوجال»، والتي تعرف بنظرية «الواحد وعشرين جراما لكلدوجال»، وأيضا «twenty-one-gram clodogal theory»، وتفترض نفس الأمر السابق فرضا، والذي توصل بعد حساب «التغير في الكتلة بأدق قياس»، وقد وجده تقريبا «واحد وعشرين جرامًا»، ورجح بأن هذا «التغير»، هو وزن «الروح»، بعدما، أجرى تلك الفرضية على مريض في حالة احتضار، وقام بإعادتها على أكثر من شخص في نفس الحالة، ووجد نفس الاستنتاج، والطريقة والفرضية صحيحة تماما من الناحية التنفيذية، والرياضية، ولكنها، غير صحيحة من الناحيتين «القرآنية»، والعقلية!، لأن الناس لا تموت في نفس الظروف!، وليس لهم نفس الخصائص!، ولكن، نود القول بأن الفرض السابق إن كان صحيحًا بالطبع، فنقول بأن الروح شيء مادي، وليس معنويًا، لأن المعنوي لا يوزن!، وإن كان غير صحيح بالتأكيد، فإنها بالطبع معنوي، وليس ماديًا، لأن المادي فقط من يوزن!، وهكذا.
إن ما سبق من الفروض، والتساؤلات، مجرد تفكير عصفي الذهن، لماهية الروح وطبيعتها فقط، في تفكير شخصي تمامًا، ليس له علاقة بأي موضوع يخص هذا الأمر، وإنما هو أمر، فكري، تفكري، شخصي، في هذا الأمر، لهذا الأمر، حول هذا الأمر، محددين أنفسنا بحدود، لا تعدي عليها، ولا تخطي لها، ولكننا عرفنا الآن، صدقا وعدلا، بلا كمد ولا أمد، أن الروح شيء، الله أعلم به، وبصنعه، وبماهيتها، وبكل شيء عنها، من خروج ونزول، والآن، عرفنا بالفعل، ونكتفي بذلك ردًا: «ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي»، وبذلك، نقول أن الله أعلم بها، وبحالها، ولكننا، قدمنا أسئلة وردت لنا بشكل شخصي، ليلا، حيث الهدوء والسكينة، وحيث مورد النوم، ومبدأ التفكير في أسئلة ترد إلينا، دون سبق لنا في طلبها، أو طلبنا، فلو خويرنا ما أردنا!، ولكننا، نقدمها لكم، كي لا تقعوا في أمرها مفتونين، وأما عن الروح فهي من أمر ربي، وهو بها أعلم.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست