لا زلنا جميعا نذكر سهرة الإثنين الساعة التاسعة مع مقدمة الناي الحزينة في بداية البرنامج وافتتاحية الدكتور الدائمة (أهلا بيكم)
البرنامج الأشهر على مستوى الوطن العربي كله :
البرنامج الرائع “العلم والإيمان” للرائع الدكتور / مصطفى محمود –رحمة الله عليه.
وشاهدنا في هذا البرنامج – الذي وصل عدد حلقاته إلى حوالي 400 حلقة – كيف حاول الرجل بأسلوب مهني سهل لذيذ تقديم العلوم ومتابعة التطور الحادث فيها وفي النظريات العلمية إلى الناس كل الناس عالمهم وجاهلهم المثقف فيهم وغير المثقف .
ثم ربطها بالعلاقة مع – الله – الخالق العظيم وأنها من دلائل الإيمان وقدرة الله وعجائب خلقه.
مقدمة إحدى حلقات البرنامج
والرجل بالإضافة إلى كونه طبيبا إلا أنه كان باحثًا رحالة في طلب الحق والمعرفة تختلف في بعض ما كتب أو قال أو تتفق فقد بحث وكتب في الفكر والأدب، والفلسفة، والدين والسياسة والتصوف، وحاول الإجابة على كثير من التشكيك والجدل الذي أثارته بعض الأطروحات العلمية أو الإلحادية أو الوجودية في عصره ووقته أو حتى الإجابة على أحاديث النفس في الماضي والحاضر وأن العلم أبدًا لم يكن مضادًا للإيمان أو يؤدي إلى الإلحاد كما يدعى بعض العلماء اليوم .
ولا شك أن العلم أضاف ويضيف في كل يوم جديدًا نافعًا أو مهالك لا حصر لها وأن العلم في كل يوم يكتشف جديدًا ويكشف غامضًا وأن الشغف العلمي لم يعد محدودًا في مجال محدد بل أصبحت جميع العلوم يربط بعضها بعضا وتطرح أسئلة كبرى مع كل اكتشاف جديد وفي مقابل كل اكتشاف علمي جديد تثار قضايا يراد لها أن تكون تشكيكية أكثر منها علمية على الرغم من أنها لو نوقشت بشكل علمي رصين لم تكن لتحظى بكل هذا الأثر السلبي في نفوس المؤمنين .
لكن في بعض الأحيان يوظف العلم والاكتشاف لخدمة فكرة ما أو أيدلوجية فكرية أو حتى لغرض سياسي!!!
كما فعل مع الدين في قرون الانحطاط وكما يفعل معه اليوم أمام سلطان المادة والحكم!!
وفي بعض الأحيان يأتي اكتشاف علمي جديد فيعارض آية أو عقيدة عند المسلمين فتخرج علينا أقلام الملحدين العرب أو حتى الغربيين منهم أو أنصار الديانات الأخرى بالقول أنه يجب أن تعيدوا النظر فيما لديكم من عقيدة وإيمان!!
رغم أن ما لدى هؤلاء المنادين على المسلمين بالمراجعة الفكرية العقدية العلمية، في غالبيته يحتاج إلى كثير وكثير جدا من المراجعات والنظر فيه وكذلك النظر في تصرفات هذا المنادي وشطحاته التي ظهرت جلية في فترات حكمه وصعوده وما زالت تخرج علينا كل يوم شطحات جديدة !!
ومن أقوال هؤلاء أيضًا: إن هذه الآية أو هذه العقيدة تخالف العلم وأنه يجب أن يحدد المسلمون هل هم مع العلم أم ضده؟
وهل ستكون ردة فعلهم هي مذابح فكرية أو حقيقية للعلماء واستكشافاتهم أم أنهم سينحازون للعلم وحقائقه الواضحة ويعلنون إلحادهم وكفرهم بهذه الخرافة المسماة الدين وهذه الأساطير التي تدعى الشريعة؟!
والمسلمون اليوم ليست لديهم تجربة حديثة ولا دولة حديثة تعبر عن دينهم وعقيدتهم!!
فالدول التي تسكنها أغلبية مسلمة إما أنها تبنت في إدارة الدولة النظام العلماني أو الاشتراكي أو القومي أو غيرها من النظم التي تعادي قيام أو ظهور أي رقابة شرعية أو تعادي الإسلام ذاته وترفض تطبيق قواعد الإسلام الكبرى في الاقتصاد أو الرقابة أو المحاسبة أو غيرها وتجعل الإسلام مجرد شعائر ونسك لا يجوز تخطيها!!
بل في بعض البلدان حوربت هذه الشعائر والخصائص والنسك الإسلامية!!
فاعتقل في بعض تلك البلدان من صلى الفجر في جماعة حين زاد معدل صلاته للفجر عن عدد معين حددته الدولة !!
أو لأنه حمل أو ألف أو وزع كتبًا لها طابع يخالف اتجاه الدولة في قضية ما، بل وفى بعض البلدان تم منع التعدد المباح وأجيز الزنا برخصة وضيق على المحجبات أو المنتقبات بحجج فارغة – ثم يتساءل البعض عن قوانين التمييز الأوروبية ضد المسلمين عامة هناك – وألزم المسلمين في بلادهم باتباع الدولة في كل ما تقول حتى لو خالفت الدين في أصوله الكلية وقواعده الكبرى ومن يخالف الدولة ويتبع دينه وعقيدته يعتقل ويضيق عليه وبعض هذه الدول مارس التقية أو الخديعة فجعل شعارات الدولة إسلامية ومكن فئة معينة من الإفتاء والإرشاد ليستتب له الحكم والسيطرة لكن البلد تسير في إدارتها ومؤسساتها على نظام علماني لا يهمه قول الشرع أو غضب الله من عدمه!!
وما العلماء أو كبارهم في مثل هذه الدول إلا دمى تقيم الحروب في القضايا التافهة وتغض الطرف عن كبريات وقواعد الإسلام المنتهكة بل وتعطي الحاكم أو الملك ما لم يعطَ نبي مرسل وضيق على الدين وتأثيره في حياة الناس وأصبح عقل المفكر الفلاني أو العالم العلاني أو الفكرة تلك ميزانا في قبول كل شيء أو رفضه فاستبدل الدين بدين لكن الدين الجديد الذي سمى (علمانية أو اشتراكية أو حداثة أو غيرها من المسميات) لم يقبل أن يسمى دين رغم أنه في حقيقة الأمر كذلك.
ولأن الجو العام في بلاد المسلمين جو غير علمي فيسهل الطرق والتشكيل والتشكيك كذلك.
ورغم أن الإسلام قد نحي عن الحكم منذ مئات السنين وأصبح الآن على الهامش في الحياة العامة بين أهله، كذلك أصبح نصيبه من العلم والنظريات والمبادرات العلمية الحديثة ضئيلا لا يرى أو منعدمَ الأثر تماما وصارت مراكز الأبحاث فيه يصرف لها الفتات وتوجه وتسير حسب تعليمات النظام.
إلا أنه يطالب دوليا ومحليا بالرد العلمي على ما يطرحه العلم في كل يوم وما زال البعض يحاول بمبادرات فردية كي يفعل ولكنها محاولات أشبه بمحاولة الحرث في البحر .
نعم يوجد لدينا مدرسة إسلامية تجريبية حديثة وهي وإن كانت في طور التكون وما زال أمامها مشوار طويل من البحوث فهي تحتاج أيضا إلى دعم مادي رهيب من المسلمين إن أرادوا نهوضا وردودا علمية حقيقية مبنية على أساس العلم المجرد يقوده فريق يحترم العلم والدين معا وليس خاضعا لسلطان الدولة وتربيطاتها العالمية كما يفعل بعض العلماء الغربيين أو المجلات العلمية أو المهتمة بالشأن العلمي وهذه المدرسة أيضا تحتاج إلى حكومات تتبنى الرؤية وتدعم الفكرة لا أن تسيطر عليها أو توجهها حسب المراد .
وهي أيضا مطالبة بأمور .. نتعرف عليها في المقال الثاني إن شاء الله .
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست