كنت في زيارة لأحد المصريين في تركيا، هو كفيف البصر لكنه صاحب بصيرة نافذة، وكذلك ظريف، وصاحب فكر، وحاصل على ماجستير في علم النفس، قال لي بحثت عن كاحول توافقي يكون مرافقي في أسفاري وتحركاتي فوجدت كثيرًا من العوائق تمنع ذلك، فكيف لي أن أصطحبه في الشارع؟ وكيف أضبط زمامه وأمنعه من التعدي على حريات الغير؟ ولن يسمح لي أحد أن أصعد بصحبته في المواصلات، وكانت الفكرة غير قابلة للتنفيذ.
قال لي رغم عدم إنتمائه لأي فصيل سياسي، أتتذكر موجة البحث عن شخصية توافقية لإدارة المشهد السياسي المصري بعد الثورة المصرية؟! قلت نعم فلقد قرر الإخوان المسلمون عدم خوض الترشح لرئاسة الجمهورية والبحث عن شخصية محترمة توافقية ليس لديها مشكلة في التعامل مع الجميع واستيعاب جميع أطياف المجتمع المصري، لكن لم يتقبل أحد واعتذر الجميع.
اضطر الإخوان المسلمون دخول انتخابات الرئاسة بعد رفض الجميع تحمل المسئولية، ولما أعلن الإخوان المسلمين ذلك تحركت الأفاعي ولم تهدأ، وتشكلت مجموعات عمل على كافة المستويات والتوجهات، وبدأت الحرب تظهر في صورة توافقات أو إعلان مبادرات، أو البحث عن بديل، أو البحث عن منافس قوي يمنع صعود الإخوان المسلمين للرئاسة.
فقال لي الرجل لقد بدأت رحلة البحث عن كاحول توافقي، ليس مهمًّا من سيكون، لكن المهم أن نضع عنوانا جذابًا، ظاهره فيه الرحمة وباطنه فيه الخيانة المسبقة، دخل سباق الرئاسة شخصيات تعمل على تفتيت الأصوات، وكانت الأسماء المعلنة لخوض الانتخابات تدل على سوء النية من أجل تفتيت أصوات الثورة المصرية.
– الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح
– الدكتور سليم العوا
– الشيخ صلاح أبو إسماعيل
– الدكتور محمد مرسي
– المهندس خيرت الشاطر
– حمدين صباحي
من المفترض أن الأسماء السابقة تعد كلها ممثلة لتيار واحد وهو تيار الثورة المصرية، وكان في مقابلهم احمد شفيق وعمر سليمان. تم استبعاد كلٍّ من خيرت الشاطر، وعمر سليمان، وصلاح أبو إسماعيل. وتبقى في المواجهة جميع الأسماء السابقة في مواجهة شفيق الذي كان يمثل الثورة المضادة والدولة العميقة.
قرر الإخوان المسلمون الاستمرار في خوض الانتخابات بعد أن تحولت المعادلة إلى معركة صفرية، ولكن ظهرت تحركات من داخل فريق الثورة المصرية يبحث عن شخصية توافقية بديلة عن ممثل الإخوان المسلمين (الدكتور محمد مرسي الرئيس الشهيد) حتى قبل البدء في خوض المعركة الانتخابية.
أصبحت المعارضة المصرية في المواجهة وتفتيت الأصوات لصالح الثورة المضادة، وأصبحت الثورة المصرية في خطر عظيم، لكن نجح الإخوان المسلمون في كسب الجولة الأولى بدخول مرحلة الإعادة مع شفيق، لتصبح معركة لا خيار فيها دون اختيار أحد طرفيها.
جاء طلب غريب بالدعوة لأن يتنازل الرئيس محمد مرسي عن دخول انتخابات الإعادة لصالح حمدين صباحي، الذي حصل على أقل الأصوات في الجولة الأولى، ولم يأت اختيار أصحاب الفكرة على الحاصل على أعلى الأصوات حتى يكون العرض مقنعًا، وقالوا إن الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح هو الوجه الآخر للإخوان المسلمين ولن يصلح لأن يكون شخصية توافقية! قال لي صديقي العزيز الذي كنت في زيارته، من هنا كانت فكرة البحث عن كاحول توافقي.
قال لي صديقي العزيز: بدأ البحث عن كاحول توافقي بعد انتهاء انتخابات الإعادة وقبل ظهور نتيجة الانتخابات، وقبل أن أحكي لك ما حدث أحب أن أقول لك، إنني فشلت في البحث عن كاحول توافقي لأسباب منها أنه لم أجد كاحولًا مدربًا تنطبق عليه معايير المهمة المطلوبة منه، وهو أن يكون لديه خبرة في التعامل مع الآخرين وعدم التعدي على حرياتهم، وألا يتصرف تصرفًا يجعلني مدانًا أمام المجتمع، وأن يكون أمينًا ومخلصًا، لا يورطني في مواقف ولا يوقعني في حرج شديد مع الآخرين.
ولما كانت القصة رمزية تتوافق مع بعض أحداث الثورة المصرية، فإن إطلاق لفظ كاحول توافقي هو من باب الرمزية وليس من باب إهانة من نتحدث عنه، وإن كان بعضهم يستحق الإهانة.
قلت لصاحبي مفهوم كلامك أكمل حديثك فقال: تم دعوة شركاء الثورة المصرية إلى اجتماع في فندق فيرمونت، وبعد ست ساعات متواصلة من النقاش ليمتد اللقاء إلى ساعة متأخرة من الليل، اتفق الجميع على بنود من أجل الضغط على المجلس العسكري حتى لا يزوِِّر نتيجة الانتخابات التي أعلنها الإخوان المسلمون إعلانًا غير رسمي بفوز مرشحهم طبقًا لما هو موجود بمحاضر اللجان الموقعة من القضاة المشرفين على الانتخابات، وكانت الاتفاقية بمثابة عقد ووعد بتنفيذها جميعًا، وكان من بين الاتفاقات هو تشكيل حكومة وطنية من كافة التيارات يرأسها شخصية توافقية ليست من الإخوان المسلمين.
كل البنود الستة الواردة في الاتفاقية التزم بها الإخوان المسلمون حرفيًّا، بتشكيل حكومة وطنيه لم يكن للإخوان فيها إلا القليل، وكان يرأسها شخصية محترمة توافقية حسب المواصفات المطلوبة، لكنهم اعتبروه من الخلايا النائمة للجماعة أو مجرد شخصية ديكورية ينفذ المطلوب منه حسب تعليمات الرئيس محمد مرسي.
قلت له وماذا يريدون في الشخصية التوافقية أكثر مما كان موجودًا بالفعل؟! قال لي وهذا هو بيت القصيد في المسألة، هم يريدون شخصية توافقية تفقد الرئيس محمد مرسي كل صلاحياته ويكون الرئيس محمد مرسي مثل ملكة إنجلترا، ملك لا يملك ولا يحكم ولا يتحكم!
يعتبرون اجتماع فيرمونت خيانة كبرى لهم وانتكاسة عن العهد والميثاق من وجهة نظرهم، لكن بالرجوع إلى نص الاتفاق نجده قد جرى تطبيقه حرفيًّا، لكن لم يكن التطبيق متوافقًا مع ما بيتوه من سوء نية وقصد، هم يبحثون عن كاحول توافقي وفيًّا لأغراضهم ومطامعهم وليس أمينًا على مصلحة الشعب المصري كله، يتلقى تعليماته من داخل مصر (المؤسسة العسكرية) ومن خارجها (أوروبا وأمريكا).
قلت له وما الفارق في أن يتلقى الدكتور هشام قنديل تعليماته من الرئيس محمد مرسي، وأن يتلقى الكاحول التوافقي تعليماته من المؤسسة العسكرية وأوروبا وأمريكا؟!
قال لي فارق بين الوطنية والخيانة، حيث إنهم فضلوا تعليمات المؤسسة العسكرية المتحكمة وما يتبعونه في الخارج على تعليمات الرئاسة المنتخبة.
لم ينته الأمر عند تلك النقطة من الخلاف، بل جرى التضييق على الرئيس المنتخب، وإحداث فراغات دستورية، وافتعال أزمات اجتماعية لإغراقه وإحداث استقالات متتابعة من الوزارة ومجلس الرئاسة والمحافظين لإعادة الوضع إلى مربع ما قبل ثورة يناير.
تم تشكيل جبهة الخراب (الإنقاذ) وكان شعارها افعل أو ارحل!، وجرت محاسبة الرئيس محمد مرسي بعد مرور مائة يوم فقط من توليه الرئاسة، وكان خطأ كبيرًا هو الاستجابة لتقييم أداء في مائة يوم.
لم يتوقف الباحثون عن كاحول توافقي بل امتد إلى تشكيل مجموعات تتحرك من أجل صناعة مشهد مختلف وجديد بدلًا من الانتظار و استغلال فرصة تاريخية لإزاحة العسكر نهائيًّا عن حكم مصر، فكانت من جبهة الإنقاذ حركة تمرد.
تمردوا على الرئيس المنتخب وتمرغوا في حضن العسكر وقالوا «نار العسكر ولا جنة الإخوان المسلمين». طلبوها نارًا فكانت نار جهنم تكوي جباههم وظهورهم، وامتدت النار لتأكل الجميع. وكان الانقلاب على الشرعية الدستورية والسياسية لأول رئيس مدني مصري منتخب في تاريخها.
وكانت المفاوضات مع الرئيس محمد مرسي وهو في سجنه على السماح بكاحول توافقي يتولى رئاسة الوزراء بكامل الصلاحية، ويعود الرئيس محمد مرسي رئيسًا بلا صلاحية!
قال لي صاحبي: يا صاحبي كما رفضت أنا فكرة الكاحول التوافقي، فقد رفض أيضًا الرئيس محمد مرسي فكرة الكاحول التوافقي، وبرغم معاناتي الشديدة فإنني فضلت الحياة مع المعاناة ولا تضيع حقوق وحريات الناس في مقابل راحتي.
وكما عشت أنا في المعاناة والتعب من دون كاحول توافقي، عاش الرئيس محمد مرسي الرئيس الشهيد معاناة السجن ثم الشهادة من دون قبول كاحول توافقي. لكن الجولة القادمة ستكون من دون كلاب بعد إزاحة كل الكلاب، ستكون قريبة، يقينًا لا شك فيه. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست