قال سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة: إن الخلاف مع قطر ليس دبلوماسيًا، بقدر ما هو خلاف فلسفي حول رؤية الإمارات والسعودية ومصر والأردن والبحرين لمستقبل الشرق الأوسط. وقال: إن رؤية الدول الثلاث لحكومات الشرق الأوسط بعد عشر سنوات هي حكومات علمانية.
قبل ذلك كنت أظن حكومة آل سعود حكومة دينية تلتزم وتفرض المذهب الوهابي.
ولكن بعد إعادة تفكير وقراءات تبين أن حكومة آل سعود هي نوع من الحكومات العلمانية! لماذا؟
1– لأن حكومة آل سعود لا تعمل لخدمة الدين، ولكن تستغل الدين لخدمة سياساتها، مثل معظم حكومات المنطقة. ولذا نجد فتاوى هيئة كبار العلماء دائمًا في مجال السياسة تبرر سياسات آل سعود وتؤيدها، ومن يشذ من العلماء يتم القبض عليه، أو يتم اضهاده وإسكاته، ولا يعمل السعوديون على نشر الإسلام بقدر عملهم على نشر مذهب الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب.
2– كان هناك عرف قديم بين آل سعود وآل الشيخ (ذرية الشيخ محمد بن عبدالوهاب) على أن تترك أمور الدعوة والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لآل الشيخ مقابل ترك آل الشيخ للأمور العامة والسياسة والعلاقات الخارجية لآل سعود وعدم التدخل فيها.
ولذا لم نجد فتاوى من هيئة كبار العلماء عن شرعية وجود قواعد أمريكية في أرض الحرمين، ولا عن مساعدة آل سعود الغزو الأمريكي للعراق، واجتثاث أهل السنة، وتمكين الشيعة من حكم العراق.
أما ما يتعلق بشئون الحكم فدائمًا الفتاوى تدور حول تحريم المعارضة السياسية لمن يجلس على كرسي الحكم وتحريم التظاهر طلبًا للحقوق والحريات، وعدم جواز نصح الحاكم، إلا سرًا وفي خلوة مع الحاكم! ووجوب طاعة ولي الأمر في كل الأحوال، وحتى لو كان متغلبًا أو ظالما أو حتى لصًا أو مفرطًا في أراضي المسلمين، ويندر أن توجد فتاوى تتعلق بحق الأمة في اختيار ولاتها ببيعة كبيعة الراشدين لا إجبار فيها ولا صورية وحق الأمة في استشارتها من خلال ممثلين للأمة يتم انتخابهم ويكون رأيهم ملزمًا للحاكم، وحقها في عزل ولي الأمر إن خالف شروط البيعة أو فقد أحد الشروط الواجب توافرها شرعًا في ولي الأمر.
يعني نظام الحكم السعودي ليس دينيًا، بل هو علماني يستغل الدين. ذلك أن هناك فصلًا فعليًا للدين عن شئون السياسة واتخاذ القرار، ولا يحق للمشايخ سوى الحديث في أمور العقيدة والعبادات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والإسلام لا يعرف الحكم الديني، ولكن يعرف الحكم الإسلامي، وفي هذا النظام لا عصمة لولي الأمر، وهو لا يحكم باسم الله، ولا هو نائب عنه، وإنما ولي الأمر نائب عن الأمة في إقامة الشرع ونشر العدل ورد المظالم الدفاع عن الأمة.
في نظام الحكم الإسلامي يكون نظام الحكم خاضعا للشريعة والتي تعتبر الدستور الأعلى وتكون الطاعة لولي الأمر معلقة على كونه ولي أمر شرعي لا ببيعة صورية ولا ببيعة إجبارية، وتكون الطاعة محدودة بأوامر الشريعة ففي الحديث: إنما الطاعة في المعروف. وفي قول الخليفة الراشد أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – في خطاب توليه الخلافة: أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم.
وقال الإمام البخاري في التاريخ الكبير في ترجمة بشير بن سعد الأنصاري والد النعمان: قال لي عبد العزيز بن عبد الله: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، قال: أخبرني محمد بن النعمان بن بشير، أن أباه أخبره، أن عمر قال يوما في مجلس، وحوله المهاجرون والأنصار: أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمر، ما كنتم فاعلين؟ فسكتوا، فعاد مرتين، أو ثلاثًا، قال بشير بن سعد: لو فعلت قومناك تقويم القدح، قال عمر: أنتم إذن أنتم.
هكذا كان عهد الخلفاء الراشدين المهديين الذين أثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يترك البعض سيرتهم اتباعا لسيرة من بعدهم ممن حولوا الخلافة لملك عضود ذمه النبي صلى الله عليه وسلم وسلم.
في نظام الحكم الإسلامي كل حق يقابله واجب أو حق مقابل:
فللأمة حق اختيار ولاتها ومحاسبتهم، بل وعزلهم إن خالفوا شروط البيعة ومقابل هذا الحق للأمة هناك حق الطاعة لولي الأمر علي الأمة في المنشط والمكرة حتي لو كرهت الأمة بعض أفعاله وحق الطاعة لولي الأمر أو واجب الطاعة على الأمة مرتبط دائمًا بأن يكون ذلك في حدود الشرع فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإنما الطاعة في المعروف.
أما علمانيو الإسلام، فلا يرون إلا حق الطاعة لولي الأمر، ويتنازلون عن حقوق الأمة. يرون حق الطاعة، وإن جلد ظهرك وأخذ مالك، ويتناسون أن ذلك يكون فقط حين يفعل ولي الأمر ذلك بشبهة، أما إن فعل ذلك بيقين، وأخذ مالًا لا حق له فيه، فذلك ظلم لا يمكن أن يقره شرع، وكذا لو جلد ظلمًا. وهل يعقل أن نرى ظالمًا يفعل ذلك، وهو متيقن بأنه لا حق له فيه، ثم نطالب بالطاعة! وهل تكون تلك طاعة في معروف أم طاعة في منكر، وذلك ليس محل الحديث.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست