لا حديث في تونس هذه الأيام قبيل الانتخابات التشريعية والرئاسية المزمع إقامتها ما بين أكتوبر (تشرين الأول) وديسمبر القادم (كانون الأول)، إلا على توحيد العائلة الوسطية الديمقراطية من أجل المقاومة والتنافس أمام حركة النهضة التونسية الممثلة لفرع الإخوان المسلمين بتونس.

الكل يدعو إلى التوحيد والتحالف لا على أساس برامج مقنعة ذات فاعلية قادرة على إيجاد حلول فاعلية للوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور، وانتشال الشعب من براثن الفقر، وارتفاع الأسعار، ومقاومة الفساد، وإصلاح القطاع التعليمي والصحي، بل كانت الدعوة إلى التحالف مبنية على أفكار سطحية وقوالب جاهزة، تلعب على مشاعر المواطن البسيط في نطاق التدافع السياسي المبنية على ثنائية الخير والشر؛ مما يعيدنا إلى نفس الموقع الذي عشناه في 2014 قبيل الانتخابات التشريعية والرئاسية، والشعارات الرنانة التي تم رفعها آنذاك حتى خلنا أن تونس تحولت إلى تونس الإسلامية المهددة بالدعششة (نسبة إلى داعش) حسب رأي الأحزاب الوسطية، وعلى رأسها حركة نداء تونس، وتونس الكافرة اللائكية الفاجرة الخارجة عن الإسلام والشريعة حسب رأي الأحزاب الإسلامية، وعلى رأسها حركة النهضة.

هذا الصراع والتخوين عاد ليلقي بظلاله مرة أخرى في الفترة الحالية، لنشاهد دعوات للتحالف، ورص الصفوف لمجابهة الخطر القادم، خصوصًا من طرف الأحزاب التقدمية، لينجر عن ذلك الإعلان عن اندماج حركة مشروع تونس، ونداء تونس شق الحمامات، فمن المضحكيات المبكيات أن تطل علينا نفس الوجوه التي كانت سببًا في تشتيت العائلة الوسطية الديمقراطية، وانقسامها وتفتيتها بالدعوة إلى توحيد العائلة الوسطية لقادم الاستحقاقات الانتخابية، وكأننا كُتب علينا أن نعيد تشكيل نفس الوجوه ونفس الأشخاص الذين أثبتوا فشلهم وعلى عدم قدرتهم على الإيفاء بتعهداتهم، المطالبون اليوم بالتوحيد والتحالف هم أنفسهم خانوا الأمانة وثقة من صوّت لهم، وسارعوا بالهرولة وراء أطماعهم الشخصية.

هذا التحالف لن يأتي أُكله؛ لأن مكوناته ما زالت مصابة بالزعامة، وطغيان الأنا الأعلى على المصلحة العامة والوطنية، متشبثين بأمل العودة إلى قبة البرلمان مهما كانت الظروف والعوامل والأسباب، فالغاية تبرر الوسيلة.

هذا التحالف حتى وإن نجح في حصد بعض المقاعد تحت قبة البرلمان، فإننا سنشهد انقسامات أخرى في البرلمان الجديد، ما دمنا لم نستطع القضاء على السياحة الحزبية، وما دام ما زالت لغة الأموال المدفوعة تحت الطاولة هي السائدة، والمؤثرة على كواليس الساحة السياسية.

هذا التحالف مبني على مواجهة الإسلام السياسي الممثل في حركة النهضة، والحال أننا في 2014 لم نستطع رغم قوة نداء تونس آنذاك أن نحقق الأغلبية، بل دخلنا في تحالف مع حركة النهضة، وكان سببًا من أسباب تفتت وانقسام النداء إلى عدة نداءات، مع اختلاف التسميات، فما بالك الآن ونحن نعيش في مناخ سياسي غير شفاف، والتدهور الاقتصادي والاجتماعي الذي نعيشه! مما أثر على الشعب الكريم الذي فقد الثقة في الطبقة السياسية الحالية؛ والدليل على ذلك عزوفه عن الانتخاب في الانتخابات التشريعية الجزئية بألمانيا، وكذلك في الانتخابات البلدية.

تونس بحاجة إلى تغيير شامل في جميع المجالات؛ تغيير مبني على برامج فاعلة، مبنية على قواعد فكرية، قادرة على إنتاج نقلة نوعية تنهض بالوضع الحالي المتدهور، يكون على أياد تونسية واعية مثقفة متميزة مبنية على الكفاءة.

في الأخير نحن نعيش على وقع إعادة تشكيل وإدماج بعض القوى السياسية التي انقسمت، وقد تندثر تحت تسميات ومصطلحات جديدة باستعمال نفس القوالب والخطب الرنانة التي تلعب على مشاعر الشعب الكريم، وإخافته من المستقبل، والحال أن الشعب هو مَنْ بيده الحل والربط، وذلك بالتصويت للبرامج وقطع الطريق على أحزاب المصالح والمتاجرين بآماله ومستقبله وقوْته اليومي؛ وذلك بقلب موازين القوى على جميع مَنْ بالمنظومة السياسية سواء الحاكمة أو المعارضة، ويتضح ذلك في آخر سبر آراء تم نشره يوم 12 يونيو (حزيران) 2019 على أعمدة صحيفة المغرب التونسية.

حيث يحتل المرتبة الأولى «نبيل القروي» رئاسيًّا وتشريعيًّا بنسبة 23.8% على مستوى الانتخابات الرئاسية، و29.8% على مستوى الانتخابات التشريعية، ويعتبر «نبيل القروي» صاحب قناة «نسمة» التلفزيونية، وجمعية «خليل تونس» التي تعني بتقديم المساعدات الخيرية لذوي الاحتياجات، قد حقق المفاجأة ذلك أنه لا يملك حزبًا سياسيًّا مؤثرًا على الساحة إلا أن سبر الآراء جعلته يحتل المراتب الأولى؛ لأن العديد من فئات الشعب قد اقتنعوا بخطابه المبسط، وقربه للمجتمع التونسي، خصوصًا الفئات الهشة والمهمشة، الذين يعتبرونه نصيرًا للفقراء، وحاملًا لهم آمال انتشالهم من الوضعية المزرية التي يشهدونها، هذا الاختيار يعتبر ضربة قاسمة للمشهد السياسي ككل، خصوصًا لمنظومة «14 جانفي» مما يقيم الدليل على فشل هذه المنظومة والتحالفات المزمع إقامتها في تغيير وإنعاش الوضع الاقتصادي والاجتماعي بتونس.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد