رغم التطور الإيجابي الكبير الذي حققته ثورات الربيع العربي لإسقاط النظم السابقة، وصحوة الشعوب، وكسرها حاجز الخوف، وتزايد قدرة الرأي العام على توجيه الأحداث، فالتساؤل هنا دائمًا يكون: لماذا لا تتحقق التنمية الاقتصادية وتعم الرفاهية كما كان متوقعًا؟ هل غياب الأمن هو المسئول عن الحصاد الهزيل للثورة ليس في مصر فقط، بل في البلاد العربية بأكملها؟
الاستقرار الأمني والسياسي أحد المقومات الأساسية للتنمية الاقتصادية، فبدون الأمن لا توجد تنمية، وبدون التنمية لا توجد دولة قوية ذات أسس سليمة. الأمن هو المحرك الحقيقى للتنمية والقادر على استقرارها وديمومتها، فدول العالم أجمع تحرص على تسخير إمكانياتها البشرية والمادية للحصول على الاستقرار الأمني. فالأمن في اللغة هو الطمأنية وزوال الخوف.
غياب الأمن أول ما يؤثر على التنمية الاقتصادية والاقتصاد فكما يقال: «رأس المال جبان»، فالارتباك الأمني بيئة طاردة للاستثمارات المحلية والخارجية، وتحد من عملية استقطاب العملات الأجنية التي من المعروف أنها تغذي المخزون الاحتياطي من النقد الأجنبي.
الأمن ركيزة التنمية الاقتصادية
التنمية الاقتصادية إحدى مؤشرات التقدم، فهي موضوع شامل تضم مجموعة من العناصر الاقتصادية كقطاع الاستثمار، البطالة والتضخم والصرف الأجنبي وميزان المدفوعات والسياحة وغيرها من المتغيرات الكلية. تشترك هذه المتغيرات في حساسيتها للبيئة السياسية والاجتماعية المحيطة سلبًا وإيجابًا، فمثلًا رأس المال يعد من العناصر التي تتأثر سريعًا بالبيئات المضطربة مثل هروب الأموال الوطنية للخارج يكون أحد آثار البيئات غير الآمنة.
فالدخول لساحات التنمية الاقتصادية ليس بالأمر السهل، حيث يتطلب رغبة حقيقية وسعيًا دوريًا، لتوفير مناخ مناسب يتطلب تسخير كل الإمكانيات والمقدرات والطاقات البشرية والطبيعية وقبل كل ذلك تحقيق الأمن باعتبار الاستقرار الأمني من أهم عناصر التنمية الاقتصادية. فخير مثال القارة الأفريقية، بالرغم من الثروات المعدنية والمناجم والمياه والأراضى الخصبة الشاسعة إلا أن ضعف الأمن وعدم الاستقرار يجعلها طاردة للاستثمار سواء للأجانب أو أبناء القارة.
أثر الأمن على مناخ الاستثمار
الاستقرار الأمني ركيزة أساسية لمناخ الاستثمار الجيد، فرأس المال دائمًا يبحث عن الربحية والأمان، فساهمت حالة عدم الاستقرار في الدول العربية، والحروب المختلفة بداية من الحرب العربية الإسرائيلية، والحرب العربية العراقية الإيرانية، والغزو العراقي للكويت، حرب جنوب السودان، والتدخل الأمريكي في العراق، وثورات الربيع العربي وحالات عدم الاستقرار والعنف إلى دفع رؤوس الأموال لمناطق أكثر أمنًا واستقرارًا وبالطبع أكثر ربحية.
أثر الأمن على الاستثمار الأجنبي
من بديهيات علم الاقتصاد أن العلاقة طردية بين الاستثمار ومعدلات النمو والتنمية المستدامة، فالاستثمار يعنى توظيف الأموال في مشاريع، بهدف تحقيق تراكم رأس مال جديد، ورفع القدرات الإنتاجية ومن ثّم تعجيل خطا التنمية وتخفيض أعداد الفقراء والعاطلين فالاستثمار الأجنبي الذي تقوده شركات متعددة الجنسيات حاز على اهتمام كبير واعتراف عالمي واسع النطاق، وتنافس الدول المتقدمة والنامية على حد سواء منافسة شديدة على جذب الاستثمارات الأجنبية.
جذب الاستثمارات الأجنبية ليس بالأمر السهل، خاصةً في ظل المنافسة الشديدة، فهذه الاستثمارات تشجع على خلق فرص عمل، ورفع مهارات العمال من خلال ما تجلبه هذه الاستثمارات معها من تكنولوجيا جديدة، فإنها تكسب العمال المحليين خبرة، كما أنها تساهم في فتح أسواق جديدة للتصدير.
الشركات متعددة الجنسيات تعتبر الاستقرار الأمني والسياسي فى مقدمة اعتباراتها قبل القيام بأي مشروع في بلد أجنبي. فغياب الاستقرار الأمني يعرض هذه الشركات إلى مخاطر يصعب التحكم فيها، كما أنه يؤثر تأثيرًا سلبيًا على سمعة الدولة المضيفة على المسرح الدولى كسوق خطير على الاسثتمار الأجنبي. فيجب على الحكومات وضع الاستقرار الأمني كهدف أول يجب تحقيقه واستمراره حتى نستطيع تحقيق باقي أهدافنا.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست