منذ أكثر من سبعمائة سنة اجتاح المغول مدينة بغداد بقيادة هولاكو وأسقطوا آخر خلفاء الدولة العباسية، فضلًا عن قيامهم بإبادة جماعية للسكان وتدمير وحرق العمران والمخطوطات الأثرية، ورمي الكتب في النهر حتى أصبح متشبعًا باللون الأزرق من كثرة الكتب التي ألقيت فيه، لقد عانى سكان المدينة من انهيار  في الواقع الصحي وإنتشار الأوبئة بسبب انتشار جثث القتلى الذين سقطوا على يد المغول، فضلًا عن انهيار في الواقع الثقافي بسبب حرق وتدمير المكتبات، والتي بقيت آثارها لمئات السنين؛ إذ تحولت مدينة بغداد من منبر للعلم والثقافة والعمران إلى مدينةٍ يسودها الظلام والتدمير، والتي انعكست حالتها بشكل كبير على بقية المدن لكونها عاصمةً لهم.

وعلى الرغم من انتهاء هذه الحقبة الزمنية؛ فقد ظلت البلاد تعاني على يد مختلف المماليك والحكومات المتعاقبة إلى يومنا هذا، ففي بعض الدول التي تحصل فيها الحروب والانتكاسات، تراها تنهض من جديد بعد فترة زمنية قصيرة إلا العراق؛ فقد بقي يعاني على مر العصور والأزمان، فبعد سبعة قرون دخل هولاكو مرة أخرى على دبابة الاحتلال مدعيًا إسقاط حكم الديكتاتورية ونشر الديمقراطية ومواكبة الدول الأخرى على جميع الأصعدة، ولكن زادت معاناة الشعب العراقي ضعفين وتلاشت كل الوعود وتحولت إلى كابوس يؤرق المواطن؛ فانتشر الهرج بدوافع طائفية ودينية تحت مسمى الدفاع عن المذهب، وسقط كثير من الضحايا في تلك الحقبة، فضلًا عن انهيار الواقع الاقتصادي الذي تسبب بازدياد الفقر بالبلاد بسبب سرقة مقدرات الشعب من قبل مدعي الديمقراطية على مر ١٨ سنة من إسقاط نظام صدام حسين.

ولم تنتهِ المعاناة عند هذا الحد؛ بل أصبح الطواغيت أكثر خطورة ودموية من قبل، وقاموا بقتل الشباب المتظاهرين المطالبين بوطن حر وعيش كريم، حالهم كحال أي دولة على وجه البسيطة؛ إذ سقط المئات من الشهداء على أيديهم لحماية مصالحهم وخوفهم على كراسي الحكم التي ورثوها من العمة أمريكا، إلى يومنا هذا، يعاني المواطن العراقي من حقبة هولاكو ولعنتها؛ فما زال الطامعون مستمرين في سلب وتدمير البلاد وحرمان المواطن من أبسط حقوقه؛ مثل الكهرباء التي أصبحت تمر كضيف خفيف في ساعات الصيف شديدة الحر، والتي عجزت تلك الحكومات عن توفيرها بسبب انشغالها بتعبئة حساباتها البنكية دون الاكتراث لطموحات المواطنين فضلًا عن انهيار الواقع الصحي في البلاد؛ إذ تعاني من قلة المستشفيات والعلاج في مناطق وسط وجنوب العراق ومناطق شمال العراق، التي دُمرت فيها البنى التحتية؛ بسبب الحرب الأخيرة على داعش، وأصبح المواطن الفقير يحلم في أن يحصل على أبسط الأدوية، وينتهي به المطاف للعلاج في شمال العراق أو خارج البلدان بعد بيع أغلب ممتلكاته لتوفير تكاليف العلاج.

بالإضافة إلى انهيار الواقع الثقافي والرياضي وعدم الاهتمام بهما، بسبب فساد المنظومات المعنية للحصول على المغانم، وتدني أبسط الخدمات من مجارٍ وشوارع وغيرها من المتطلبات التي تحقق أبسط رفاهية للمواطن، وتقلل من معاناته مع حلول فصل الشتاء وحدوث الفيضانات نتيجة الأمطار، أصبحت البلاد عبارة عن غابة تحكمها تلك الجماعات وسط أجواء تسودها الفوضى على كافة الأصعدة وغرق مواطنيها بالفساد والظلم والفقر والبطالة ومسلسل القمع والقتل بحق المواطنين مستمر إلى يومنا هذا، وانهيار الواقع الصحي والخدمي والاجتماعي والثقافي بسبب فسادهم، أصبح طابعًا يغلب على البلاد طوال فترة حكمهم، نحتاج إلى معجزة للتخلص من الظلم والاضطهاد ومن الديمقراطية الكاذبة التي جلبتها لنا أمريكا وحلفاؤها من أجل الهيمنة على مقدرات البلاد، وتحقيق مطامعها التوسعية في الشرق الأوسط، فضلًا عن أطماع الدولة الفارسية وأحقادهم المستمرة، وما أشبه اليوم بالبارحة وما أشبه هولاكو الماضي بالحاضر.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد