كتب أحدهم مقالا متسائلا مستنكرا: لماذا الهجوم على شيخ الأزهر؟
لم يسؤني المقال ولا نشره، فالناس فيما يعشقون مذاهب، ومن هذه المذاهب من ينظر إلى النقطة في قعر الكوب الفارغ، والسذج كثر، وذوو الأغراض أكثر، وأيًا ما كان الكاتب، فأنا لا أتهمه، ولا أناقشه، حتى ولو كانت وجهة نظره: أن أحمد الطيب هو أعظم شيوخ الأزهر قاطبة.
وإنما ساءني أكثر ما ساءني مشاركة أحد الأصدقاء للمقال، وكأنه لا يعرف الإجابة عن هذا السؤال: لماذا الهجوم على شيخ الأزهر؟
ساق الكاتب حججه في الدفاع عن شيخ الأزهر فذكر: أنه لا يتقاضى راتبًا – وهي دعوى تؤيدها أو تنفيها الكشوف الرسمية وليس كلام فلان وعلان – وأنه أغلق دون نفسه باب عقد قران أولاد المشاهير الذي كان يدر على سلفه الملايين، وأنه حلُم أمام شتائم طلبة الإخوان – الذين سجنهم واستدعى لهم أمن الدولة – وصبر على شتائم الإعلاميين، وأنه رفض (شيكًا) بقيمة (400) ألف دينار من حاكم عربي.
أهذه فقط هي مناقب الإمام؟ لقد نسيت الكثير أيها الكاتب الهمام.
نسيت عضويته للجنة سياسات الحزب الوطني، الذي حكمت المحاكم المصرية بحله ومصادرة ممتلكاته، لارتكابه جملة من الجرائم والمخالفات، منها: تزوير الانتخابات، وتوظيف المال السياسي، وإضعاف الأحزاب المنافسة، والاستئثار بالسلطة، وإرهاب الخصوم بالأجهزة الأمنية، وحماية الفاسدين، واستغلال أجهزة الدولة لخدمة الحزب.
ونسيت حيرة فضيلته في الترجيح بين أهمية الأزهر وأهمية الحزب الوطني، وتشبيهه غير المسبوق للحزب وللأزهر بالشمس والقمر أو الليل والنهار، وتقريره حاجة كل منهما للآخر، وتردده في الاستقالة لحين تلقى الضوء الأخضر، فاستقال.
ونسيت موقفه في مساندة المخلوع، وحثه للشباب أيام الثورة على عدم مواصلة الاحتجاجات التي وصفها بالفوضى، ودعوته للعودة إلى البيوت، وتحريمه للمظاهرات، ثم ادعاءه بعد نجاح الثورة، بأنه أيدها من أول يوم!
ونسيت خطابه عقب خطاب الجنرال، وتأييده خلع رئيس منتخب انتخابًا حرًا نزيهًا، بدعوى أخف الضررين، وما تزال الجرائم ترتكب باسم أخف الضررين.
ونسيت صمته المريع على المجازر والجرائم التي ارتكبت من 3 يونيو حتى الآن، في الحرس الجمهوري، ورمسيس الأولى والثانية، والمنصورة، والتفويض، ورابعة والنهضة، وأبو زعبل وغيرها، على حين مدير مكتبه الفني أنكرها، وعضوا هيئة كبار العلماء أنكراها.
ونسيت تأييده دعوة النزول لتفويض الجنرال لقتل المصريين، وإعلانه انتهاء مفاوضات الوساطة، وسكوته عن استباحة المساجد والجامعات، وجامعة الأزهر على وجه الخصوص، بنين وبنات.
ونسيت تجاهله لحبس طلبة الأزهر «17» عامًا بدعوى كسر بوابة المشيخة، ولمشاهد القبض على بنات الأزهر وضربهن وإهاناتهن داخل الحرم الجامعي، ولاغتصاب طالبة الأزهر الشريف في مدرعة الشرطة على مرمى حجر من الجامعة.
ونسيت سكوته على اعتقال السفير محمد رفاعة الطهطاوي المتحدث الرسمي باسم الأزهر، والذي يقبع في سجون الانقلاب بغير جريمة ارتكبها، لمجرد أنه مزح مع الجنرال وقال له: سنحكم خمسمائة سنة.
نسيت كل ذلك وأمثاله معه، من مناقب مولاك الإمام الأكبر، لكننا لم ننس، ونكتبها بحروف من قطران في سيرته حيًا، ونشيعه بها ميتًا. حدثتنا عن عفته عن المال الحلال، ولم تحدثنا عن ولوغه في الدم الحرام.
على أية حال، لم نهاجمه لأنه أقل من أن يهاجم، إنما هاجمته الأذرع الإعلامية للجنرال الذي أيده، أتدري ما السبب؟ وإذا عرف السبب بطل العجب؛ لأنه قدم كل ما يمكن أن يقدم، وتنازل عن كل ما يمكن أن يتنازل عنه، ولم يعد لديه المزيد.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست