أحيانا، قد تكون بعض الصدمات مفيدة، قد يكون أكثرها تأثيرا وتدميرا هي الأنفع لدفع عجلة الحضارة للأمام.
عندما يصاب الإنسان بالركود الفكري والمعرفي، بالركود الاجتماعي، بالركود الأخلاقي، بالركود الإيماني، لا تنفع معه موعظة وكلام رنان وبضع خطب وأشرطة سمعية وتجارب الأمم قبله وكتابات هنا وهناك. عندها يبدأ المجتمع بالانحدار والتدهور شيئا فشيئا ويبدأ افراده ينهزمون ذاتيا وفكريا ومعنويا قد يكون هذا الانهزام لصالح حضارة أو ثقافة أو أفكار أخرى وتنتشر فيه الفوضى الفكرية والاضطرابات وانعدام الأخلاق تمنع تقدم تلك المجتمعات، يجعلها فقط منشغلة في الصراعات الاجتماعية أو الفكرية الضيقة أو منشغلة في ملذاتها، تجعل أفرادها يتناحرون على أفكار لا تقدم لواقعهم شيئا أو تدفع عجلة حضارتهم للأمام.
حينها فقط! حينها يأتي دور الصدمة لكي تهز الإنسان هزا قويا تنفض عنه غبار هذا الركود الذي يكون نتيجة طبيعية لما وصل إليه المجتمع والإنسان من انحدار وتدهور، تأتي الصدمة لكي توقظه وتجعله يضع اللبنة الأساسية للخلاص من وضعهِ وبناء مستقبل أكثر نورا وقيادة دفة الأسطول البشري لترسو على بر الأمان، بر المعرفة، بر الحقيقة، بر الفكر، بر التطور.
وقد تتخذ هذه الصدمة عدة أشكال وصور وطرق منها الحروب والعقوبات والهبوط الاقتصادي وغيرها، وأيضا تكون على مستوى الفرد أو العقل الجمعي.
عندما يصل سور مجتمع أو حضارة ما إلى الوهن مما يجعل عملية ترميمه مستحيلة حتى وإن كان الترميم وقتيا، تكون عملية هدم هذا الجدار أو السور هي بداية بناء أكثر متانة وأكثر جودة له. أحيانا تكون عمليات الإصلاح والترميم والوعظ غير مجدية مما يجعلها حجر عثرة في طريق البناء السليم.
أحيانا يصل الإنسان لمرحلة لا ينفع معه ولا يؤثر فيه قول هذا حرام وهذا حلال، لمرحلة لا تنفع معه المواعظ والخطب فقد تشبع بهوى النفس ومات قلبه وماتت روحه. استيقظ ذلك الظلام الدفين في أعماقه، ليعمى القلب قبل البصر. عندها لغة أخرى أكثر وقعا في النفس يجب أن تستخدم لعلها تعيد له رشده .
عندما تستقرأ التاريخ غالبا ما ترى أن الإنسان يدرك الحقائق بعد فوات الأوان. غالبا ما يستعيد وعيه بعد أن تنفجر قنبلة مدوية تهز كيانه، تماما كما فعل فرعون عندما أدرك الأمور متأخرا بعد أن أيقن بالغرق والموت قال «آمنت برب موسى».
ربما كل شخص فينا لديه ذلك الفرعون في خبايا نفسه، في بعض أنماط تفكيره. أحيانا يدرك الحقائق لكنه يتكبر عليها، يخيل له عقله أنه بمأمن عن الطوفان والغرق وأن لا شيء سيطاله، أحيانا لا يشعر الإنسان أنه يغرق شيئا فشيئا إلى أن يصل الماء أنفه ويحرمهُ التنفس ليبحث عن أي قشة يتعلق فيها لينجو.
انظر لذلك المواطن العادي الذي قد لا يهمه ما يحصل في مجتمعه من فساد ثم ما إن تحدث صدمة أو ضرر ما يمس أمنه ورغيفه وحياته حتى يبدأ ينتفض ويتشكل وعيه أكثر ليجعل عقله يعمل عشرات الأضعاف وبكفاءة للحفاظ على مجتمعه ومن ثم حياته بالطبع.
وكذلك تحدث مع صدمة رجل الأعمال بخسارته مسببة له ضررا معنويا قويا مما تجعله أكثر وعيا لتجنب الأخطاء السابقة ربما وأكثر عزيمة لمواصلة طريقه. غالبا ما تعيد الصدمات بوصله المجتمعات للطريق الصحيح، لكي توقظهم لكي تعيد لهم رشدهم، تعطى الفرصة للمجتمعات للإصلاح وان لم يستغلوها فلا حجة لهم بعد أن يدخلوا مرحلة الهدم والتشتت!
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست
علامات
الصدمة